في الكثير من الأوقات تستوقفنا قضية معيّنة، ننشغل بها، ربّما نلهو بها إلى حدّ الإفراط، هنا الكلام عن قضيّة تعبر في الذهن لتشغّل الحواس كلّها.
تخيّل أنّ إنسانًا قد يسهر لليلتين وثلاثًا، وقد يمتنع عن الطعام مثلًا إذا تعرّض لنكسة عاطفية، او أنّه قد يكون على استعداد ليتكلّم لساعات طويلة مع مدير عمله ليشرح وجهة نظره التي يبني كافة أعماله اللامنطقية عليها.
دعوني من هذه الأمثلة، سأقصّ قصة واقعية، ليست مثلًا أبدًا، هي من صلب الحقيقة، حدثت حقًا، ربّما بالأمس القريب، لست أدري منذ متى، وهي قصة تتكرر يوميًّا، ولكن ما أعرفه وأتيقّنه أنّها اليوم أصبحت فكرة، نموذجًا، قدوة، تذكرة، حالة، مثلًا أعلى، وزد ما شئت…
حدث يومًا أنّ رجلًا مؤمّنًا، رسم لنفسه هدفًا وطريقًا، شغلته قضية الآخرة دون أن ينسى نصيبه من الدنيا، كان يعمل لساعاتٍ طوال قربة لله الذي هو عين الهدف، قد تكون رواية “ما ضعف بدن عمّا قويت عليه النيّة” هي التي وضعها الرجل أمامه، ربّما لا، على سبيل الحصر، لأنّها كثيرة تلك الروايات والآيات التي تحكي عن العزم والعمل والتعب لأجل الهدف الأسمى “معرفة الله”.
إذًا هي النيّة، محرّكُ الجسد، ومشغّل الحواس، وكلّما علت النيّة في أهدافها كلّما زادت قدرتها على جعل الانغماس قرين الجسد.
هكذا كان وسيم.
يعمل ويعمل، للدرجة التي ترى في عينِ هذا الجميل الأمل. كنت قد سمعت قصّة عنه رواها لي أحد أصدقاء العزيز المقرّبين، أنّ وسيم كان يعمل في النهار من الساعات الأولى، لينهي عمله في ساعات الليل المتأخرة بغفوةٍ على مكتبه لسويعاتٍ قليلة، ليستيقظ بعدها مستأنفًا عمله كما لو أنّ شيئًا لم يحدث.
كان زملاؤه في دهشة من النشاط لولا أنّهم علموا هدف وسيم، الذي حدّده منذ أن تعرّف على إمامه المهديّ “هدفي أن يرضى عني صاحب الزمان مَن روحي لتراب مقدمه الفداء”.
العاشق الإلهي لا يصير من العشّاق حتى يهجر الكثير من زاد الدنيا التقليدي، يبقى ينام ولكن بقدر الحاجة، يبقى يأكل ولكن ليس وكأنّ الأكل غاية.
الملفت بهؤلاء العشّاق الذين كثر عددهم على مرّ العصور، أنّهم كلّما ازدادوا عشقًا ازدادوا حبًّا للحياة، حبًّا للحياة على طريقتهم، حب يعبّر عن حب النّاس والمخلوقات، حب يملأ قلوبهم نورانية فيحبّهم الناس أيضًا.
الملفت فيهم أنّهم ما إن عشقوا ربّهم أشرقت وجوههم، وأصبحت وجوههم والبسمة!
هل رأيتم وجه أهل هذا العشق تفارقه الضحكة؟! كلّهم سعداء، فرحون بما آتاهم الله من فضله ومن سرّه.
لقد رسموا لأنفسهم هدفًا، لو أنّهم عُمّروا ألف ألف عام لعملوا دون ملل، ولضحكوا دون تصنّع، ولسهروا دون تعب…
هكذا كان وسيم، النشيط الهادئ، العامل المثابر، المبتسم، صاحب السرّ، الذي أباحه بين خواطره.
“اللهم اجعلني من جنود صاحب الزمان…”.
وسيم شريف، أسلم البدن وحقق الهدف في ١٩-٧-٢٠٠٦م
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.