علاء البُوسنة.. شُعلة التلبيَة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

في آواخر الثمانينيات، أصدرت فرقة الولاية -وهي أوّل فرقة إنشاديّة تابعة لحزب الله- أحد أبرز إصداراتها تحت عنوان يا علَاء”. الاسم المُقتبس من مرثيّة لأحد شهداء المقاومة الإسلاميّة مدّتها ثماني دقائق بكلماتٍ تحمل هويّة ارتداها الجيل الأوّل من الحزب كفنًا في ذلك الحين.

حينها، كان الفتى الجنوبي علي أحمد فيّاض (١٨ عامًا) يرسمُ مساره هو الآخر، على نفس الهدى الذي اهتدى به “علاء”. لمعَ نجمُ علي، ابنُ بلدة أنصار التي احتوت أبرز معتقلات الاحتلال، سريعًا في محيطه، بشجاعة وحضور لافتين، وبسمةٍ ساحرة اختزنت طينةً قرويّة لم تتلوّث بلوثة المدينة.

سنواتٌ مرّت دفعت الشّاب الجنوبي إلى إسراج خيله، من الجنوب، الذي كان هامشيًا في “الضمير العالمي”، إلى بلاد البوسنة. أستحي صدقًا أن أحسب المسافة بين أنصار، بلدة علي فياض، وبين أول نقطة حدوديّة في البوسنة، لأن الرقم قد يكون غريبًا. ما هذا الدافع العظيم الذي يدعو شابًا لم يتمّ الثلاثين من عمره ليسافر في رحلةٍ خطيرة إلى بقعةٍ جغرافيّة تحوّلت أنظار كثيرٍ في هذا العالم إليها؟

لن نناقش في الأسباب والدوافع. قد نختلف عليها بحكم أننا لا نستطيع أن نعرف البواطن، إلا أن الظاهر والعلني والنتيجة من ذهاب علي إلى البوسنة كان نصرة المظلومين المسلمين من أهل السنّة والجماعة. لم يكن خفيًا أن “رمزي مهدي” الشّيعي هو الآخر قد لاقى ربّه هناك، ليخرج الأمين العام لحزب الله ليقول علنًا: ليس مسلمًا من لم يتفطّر قلبه على ما يجري في البوسنة!

وبعودته من هناك، نالَ علي فيّاض تنويهًا إلهيًا ارتبط باسمه الجهاديّ، فتحوّل من “علاء” إلى “علاء البوسنة”، وكان ذلك أهم أوسمته.

لم يكن يخطر ببال الجندي الاسرائيلي -الذي يأتي إلى لبنان مجبرًا- في غرفة التنصّت أن هناك شخصًا ما، ترك بلده وجبهته، ليذهب إلى جبهة أخرى تشبه كل شيء في الدنيا إلّا جبهة قتاله.

تعرف “إسرائيل” علاء البوسنة أكثر مما يعرفه من قاتلهم وقتلوه، يقينًا، فقد ذاقَت بين هزيمتين في أيّار وتمّوز بلاء قبضته ونظرَاته التي ألهبَت المحاور والعمليّات، فيما غرسَت القبضة نفسها خير غِراس في أمّة حزب الله، القوّة الخاصة، التي حملت بصماته، وطلائع النور التي أينما وجّهت وجهك ترى لعلاء فيها حضورًا وقيامًا.

نفس ذلك الصوت، الذي نادى يا للمسلمين، استجاب له علاء في الحرب التي أسعرتها أميركا وقادتها ضد الإسلام المحمّدي، وبالبصيرة الثاقبة التي دفعته يومًا للذهاب إلى آخر القارة، ذهب إلى سوريا والعراق.

كان الاسمُ مألوفًا لأبناء البيوت المجاهدة، لذا كانت الشّهادة تلك التي نالها مجاهدًا قائدًا أكل الشيب شعره ولحيته الخفيفة بعد أن شقّ الطريق باكرًا، بصخب حضوره وبأسه، كانت مُهابة حتّى أن من نعاه نعاهُ مترددًا. روّض علاء الموت لسنوات بين الدبشة والبوسنة يوم افترش الخرائط، ثم دمشق وسامراء، لينال المُبتغى ويُسندَ رأسه إلى تاريخٍ ذيّله بوصية السيّد عبّاس “حافظوا على المقاومةالإسلامية بدمائكم لأنها أمانة الأمين في أعناقكم”.

بالعودة إلى النشيد، أستطيع أن أقول إن كلّ ما فيه، كل حرف، حتّى ذلك اللحن الثوري الحزين، كان ينعى علاء قبل أن ينعوه، لا مفرّ من إسقاط النشيد بكل ما فيه، على عمرٍ افترشه الحاج علاء جهادًا جهادًا جهادًا، حتّى الطلقة الأخيرة، وآخر البسمات، وأوّل اللقاء مع سرية النور التي انتظرته طويلًا، منذ أن شقّوا طريقها، باكرًا.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد