في الذكرى السادسة والعشرين على الكارثة الجوية الأسوأ في تاريخ جيش العدو الإسرائيلي، يوم اصطدمت مروحيتان تابعتان لسلاح الجو الإسرائيلي، محملتان بجنود من النخبة، كانتا في طريقهما إلى جنوب لبنان، في الرابع من شباط من العام ١٩٩7، نستذكر ما رواه المقدم الصهيوني “غاي يفتاح” عن المرات الثلاث التي انتقل فيها للخدمة في لبنان خلال فترة الاحتلال الصهيوني للجنوب، ومن بينها على وجه الدقة الفترة الثالثة التي استدعتها حادثة التحطم المذكورة.
يقول يفتاح إنه ولد وتلقى تعليمه في مغتصبة “كفار جلعادي” في الجليل قرب الحدود مع لبنان. وينقل من ذكرياته أنه نشأ مع “ارهاب حركة فتح” بحسب تعبيره، التي كانت تقصف مغتصبات الجليل وتتسلل اليه.
في العام 1984 التحق للمرة الاولى بجيش العدو بعد انتهاء دراسته الثانوية، وتم فرزه الى كتيبة المظليين رقم 50 ، حيث بقي في الخدمة خمس سنوات متواصلة متنقلًا بين مواقع القطاع الاوسط في لبنان (العويضة والطيبة ووادي السلوقي) وبعض مواقع القطاع الغربي، ليكون بذلك شاهدًا على هزيمة العدو الاولى وانسحابه من اغلب المناطق اللبنانية المحتلة لينحصر وجوده في الشريط الحدودي منذ أوائل العام 1985. وبقي يفتاح ضمن صفوف جيش الاحتلال في لبنان حتى تم تسريحه في نهاية العام 1989.
بعدها سافر الى الاكوادور لمدة ثلاث سنوات حيث تلقى “برقية استدعاء” من الكيان الصهيوني من مصدر عسكري لم يكشف عنه ليعود ويلتحق بدورة تدريبية لمدة أربعة أشهر عاد بعدها للخدمة في اوائل العام 1993 في القطاع الاوسط متنقلًا بين مواقع المنارة والعباد والطيبة وكمائن وادي السلوقي، ليروي ذكرياته مع جحيم العبوات والقصف والموت.
في العام 1995 ترك يفتاح جيش العدو ليتابع دراسته في معهد POM الصهيوني من دون ان يدور في خلده انه سيعود يوما الى مستنقع الموت في وحول لبنان! لكن فجأة كل شيء تغير في 4 شباط من العام 1997 حين تلقى جيش العدو ضربة كبرى بتصادم مروحيتين فوق سهل الحولة المحتل اقصى شمالي فلسطين المحتلة، ليسقط من جنوده 73 قتيلًا دفعة واحدة بينهم 65 جنديًا ميدانيًا و8 من أفراد طاقم المروحيتين.
يكشف المقدم الصهيوني، كما كشف غيره من جنود العدو، أنه مع تصاعد العمل المقاوم وتحول طرقات الجنوب المحتل الى حجيم على قوافل العدو وآلياته كان خيار نقل الجنود والامدادات جواً هو الحل الاخير.
لكن ضربة المروحيتين قضت يومها على أغلب اعضاء اللواء الذي يشغل مواقع علي الطاهر والدبشة والشقيف، ومن بينهم “موشيه معلم” قائد كتيبة موقع علي الطاهر.
في ظل هذا الفراغ المخيف على الصهاينة اقترح “عميرام ليفين”، قائد المنطقة الشمالية لجيش العدو يومها، على القيادة الصهيونية اسم “غاي يفتاح” ليتولى مهمة اعادة تأسيس ذلك المحور وسد نقاط الضعف فيه.
يعود يفتاح ليروي ذكرياته في تلك المرحلة الحساسة وكيفية اعادة بناء “المحور” والاخطار التي واجهها ولعبة الموت مع العبوات والكمائن والصواريخ والاقتحامات التي حولت وجود جيش العدو في لبنان الى جحيم لا يُطاق، رغم مزاعمه أنه نجح في مهمته وصد الكثير من الاخطار والكوارث عن جيش العدو.
من جهة اخرى، يقول المقدم الصهيوني: “كنا نقاتل على الارض ولكن كان خلفنا حركة الامهات الاربع التي تنادي بالانسحاب…كانت بمثابة عدو مرير لنا… كانت تحبط معنوياتنا في الحرب… كنت غاضباً منهم لسنوات لكن هم الآن أبطال بالنسبة لي”. ويتابع: “لقد جلسنا هناك (في لبنان) فترة طويلة ونحن نقدم جنودًا من دون أي داعٍ… لقد أقنعنا انفسنا بأن الجلوس في المنطقة الامنية هو لحماية المجتمعات الشمالية ضد حزب الله الذي كان منظمة صغيرة لكنه أخذ يزداد قوة… ذلك كان خطأً… قد يكون لبنان جعلنا نظهر وكأننا اقوياء لكن كنا يومها صغارًا وأغبياء ولم نفهم الثمن الذي يجب أن ندفعه”.
وفي الختام ننقل واقعة تظهر مدى انقلاب الموازين في الصراع مع جيش الاحتلال الذي غرق في الطين اللبناني، إذ يروي “غي يفتاح” كيف أنّ مقاومين نجوا من كمين معادٍ، فأعطى الأوامر لقوة صهيونية بأن تلاحقهم، فجاءه الأمر من قائد المظليين، يسرائيل زيف، بعدم فعل ذلك. يعقّب غاي الذي خدم ثلاث مرات في لبنان: «تبيّنت لي الفكرة: ليس المهم عدد الإرهابيين الذين سنقتلهم، ولكن الأهم كم من جنودنا سيبقون على قيد الحياة».
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.