إن النظم الغربية لا تمارس العنف على الصعيد العسكري فقط بل تمارسه أيضًا عبر الفعل الاقتصادي والعمل السياسي والنشاط الإعلامي؛ فالقدرة التي تمتلكها النظم الغربية المعاصرة والمتمثلة بتراكم عناصر القوة المختلفة واحتكارها بيدها تعتبر مرتكزًا ثابتًا لممارسة العنف البارد في شتى أمور حياة الشعوب ومجرياتها.
إن اتجاه السيطرة العام للنظام الغربي اقترن بتوجه اقتحامي تجزيئي لمنطقتنا، فاتجاهات النهب والسيطرة لم تبق شأنًا عسكريًا أو اقتصاديًا، بل تعدت إلى وضع خطط وسياسات تفصيلية طاولت شتى جوانب الحياة الاجتماعية لمجتمعنا.
وإن أزمتنا الحقيقية تكمن في اندماجنا الكلي في النظام الرأسمالي العالمي كأحد أجزائه المستتبعة، وليس نتيجة عدم الاندماج بالقدر الكافي في هذا النظام كما تروج النظرية الرسمية.
هذا المرض المزمن لا يمكن البرء منه إلا من خلال تجديد إنتاجنا الاجتماعي حتى لا نبقى خاضعين لنظم السيطرة الغربية وشروطها الجائرة، ولا نتحمل قرارات مجحفة تملى علينا وعلى أجيال لم تولد بعد ونتحمل أمامها المسؤولية التاريخية الكاملة. إن نظم السيطرة الغربية الرأسمالية وقوانين حركتها تشكل الدافع في المدى الطويل نحو الليبرالية الصرفة وما يكرس هيمنتها.
وإن مسايرة الاتجاه السائد ما هو إلاّ تكريس لهيمنة المنظومة الغربية الناهبة والمستعمرة من خلال:
- تحرير العلاقات التعاقدية في نطاق الأسرة.
- تحرير علاقات النشاط الاقتصادي والسلعي والخدمي.
- تحرير العلاقة التعاقدية في إطار العمل.
- تقديس رجال المال والأعمال.
- محاباة الطبقات الغنية.
- نقل العبء الضريبي الى الطبقات الفقيرة والأشد فقرًا.
- تحطيم جميع المكاسب التي حققتها الطبقات المتوسطة في فترة معينة.
إن تجديد إنتاجنا الاجتماعي يتأتّى من خلال التنمية الذاتية، ونفي التبعية إلى الرأسمالية العالمية التي تحتكر وسائل الإنتاج، ووقف تسرب القيمة الزائدة المنتجة والانتقال من إنتاج يكفي لاستمرار وتحقيق وجودنا الإنساني اليومي إلى بنيان اقتصادي مشرقي تكافلي يتكامل مع محور الاقتدار الصاعد وفي مقدمته الجمهورية الاسلامية في ايران، وذلك من خلال:
- الاستفادة من نقل التجربة التنموية على جميع الصعد وفي جميع المجالات التنموية.
- اقتصاد ذاتي الإنتاج ليس منغلقًا بل يرتبط مع اقتصادات المنطقة وليس اقتصادًا رسميًا بل هو اقتصاد شعبي.
- فك الارتباط بالدولار الأميركي عبر اعتماد اتفاقيات لتسوية المدفوعات الدولية المتوجبة عبر العملات المحليّة.
إن ّهذا سيمنحنا مناعة ذاتية لصد التدخلات الخارجية، وسيخرجنا من نظام الاستدمار المالي (النظام الربوي الريعي) ومن سطوة صندوق النهب الدولي وسياسة الإفقار، وقد قيل قديمًا من زرع بفأسه كان تدبيره من رأسه.
إنه وبالرغم مما نعانيه من حالات تمزق وضعف فإننا نبقى بحكم موقعنا الإستراتيجي وأيضًا بحكم أرصدتنا العقائدية وبحكم إمكاناتنا الهائلة مؤهلين كدائرة حضارية لصياغة انعتاق شامل.
لذا تكون نظم التسلط المعاصرة دائمة اليقظة والحذر تترصد أي محاولة تبرز في عالمنا يمكن لها أن تشكل تحديًا فعليًا لها لكي تعاجلها بضربات موجعة مستخدمة كل ما تملكه من قنوات عنف للقضاء عليها قبل أن يشتد ساعدها ويثبت مجراها التاريخي. لذلك فإن أيّ مشروع نهضوي لشعوب العالم المغلوبة واقع في مدار استحالة تحقيق أي من أهدافه في ظل القوة القاهرة، وبالتالي يغدو لزامًا بذل جهود كبيرة لمواجهة أصنام القوة هذه باعتبار أن المواجهة هي احد المفاتيح الأساس على طريق النهضة والتحرر.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.