من يفتح باب مدرسة يغلق باب سجن

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

مضر الشيخ إبراهيم – خاص الناشر |

مؤلم جدًّا ما يجرى في وطني عامةً، وفي الحسكة مدينتي خاصةً.
لطالما كنا نقول: حتمًا بعد هذا الشقاء والكد هناك ألف شمس ستشرق؛ ولكن مشهد أمس في الحسكة وخصوصًا في المعهد الصناعي الذي كان يُخرِّج سنويًّا العشرات من الشبان والشابات الطامحين للعمل المهني، والشروع في حياة كريمة وربما لتأسيس عائلة لاحقًا، أصابني بالحزن.

في هذا المعهد ذاته قضيتُ أنا والعشرات من الشبان والفتيات شهرًا من الزمن عام ٢٠٠٤ في مخيم الشباب التطوعي، واتخذنا هذا المكان موطنًا نقوم فيه بعدة نشاطات كالرياضة والحفلات وتحضير وجبات الطعام، حتى أننا كنا ننام هناك. وأجزم أن عددنا يومئذ فاق المئتين، ولم يبق منا أحد لم يسعَ في مناكب الأرض وجهاتها الأربعة حلمًا وطموحًا بغدٍ أفضل.

كل هذه الذكريات تحولت أمام مشاهد أمس وعدة سنوات خلت، إلى ساحات اقتتال، وأصبح المعهد سجنًا، والطلاب إرهابيين، والطموح بين سجين راغب بالفرار؛ لأجل المضي قدمًا بمشروع تكفيري خرج من رحم العفن الأميركي باستغلالهم الشبان المسلمين، وتناقض ما يملكه من طاقة شبان مستنفرين وتائهين في زمن التثاقف العابرين البحار، وما فرض عليهم من إحباط لانعدام الوعي، وكثرة البطالة وتحديات الحياة، وغياب المشروع، وبين سجّان يعمل جاهدًا للحفاظ على هؤلاء المساجين، وهم في نظره القاصر رصيده الأثمن أمام المجتمع الدَّولي، وعلى رأسهم العطف الأميركي، بغية استمرار قنوات تواصل معهم لا أكثر، وهو يعلم أنه ما من شيء يضمن له استمراريته على ترابٍ سيلفظه، وديموغرافية ضده، ولا حاضنة له حتى في بيته؛ لأنه اعتمد لغة (أمر الواقع)، مع احترامنا لكلِّ قطرة دم نزفت من هذا الجسد أمام قطعانٍ أرادوا جزيرتنا السورية شرًّا وبعيدًا عن الحنين والآمال والذكريات.

اليوم لا بد من عودة الأمن إلى جزيرتنا السورية بتفاهم وأرضية مشتركة مع دمشق، وتُدخَل البيوت من أبوابها، فما بالكم بدمشق ذات الأبواب السبعة؟! وليذهب موت أهلنا والمدنيين المجاني ونزوحهم المتكرر من السبب ذاته، ومن المسبب على الأقل مرتين سنويًّا، ليذهب كل هذا إلى اللارجعة.

وإن عودة الدولة حتمية، والجواب المباشر لسؤال يضج به شعبنا عن مصير هؤلاء الظلاميين، يرتبط بمكتب الأنتربول الدَّولي الذي أعيد تفعيله في دمشق مؤخرًا، وسُلِّمَ هؤلاء لبلدانهم مع عوائل وأطفال من المناخ المقيت ذاته، وما دون ذلك مشهد “قندهار” لا يزال في الذاكرة وما يأخذ من حقوق، بعضها مُحِقٌّ دون ضغط أفضل بعدة مرات مما يأخذ في اللحظات الأخيرة التي لم تكن منصفة تاريخيًّا، وحتى ذلك اليوم أهلًا بالنزوح والخوف والرعب دون أهداف غير استمرار النزيف المجاني.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد