تخوض صنعاء معركة الدفاع عن السيادة الوطنية بإقدام. تطور نوعي عسكريًّا وسياسيًّا شهده اليمن في ظل عدوان عبثي همجي. حوّلتْ صنعاء الحصار الذي يلفها سعوديًّا وأميركيًّا وبريطانيًّا وإماراتيًّا، إلى فرصة. إبداع في التصنيع العسكري كمًّا ونوعًا، وإدارة للمعركة السياسية انطلاقًا من فهمها لأبعاد العدوان وأهدافه.
الحرب النفسية الصادقة، جزء هام من المعركة، وأداة ناجعة لردع العدو وتشتيته. يمكن استعراض ما جرى مع استهداف الإمارات في إعصارين تفصل بينهما أربعة أيام، وما رافقهما من تلميحات لطبيعة بنك الأهداف وإمكانية التنفيذ، لتتضح صورة هذه الحرب المبنية على مقدرات وقدرات وقرار يبت من صنعاء.
خرج العميد يحيى سريع بتغريدة عبر تويتر، أشار الى إكسبو دبي وقال: معنا قد تخسر، ننصح بتغيير الوجهة. عبارة كانت كافية لهز النظام الإماراتي وحلفائه، وربما أتى وقعها عليهم كـ”إعصار ثالث”.
لا تنطق صنعاء من فراغ، فهي تملك القدرة ولديها الإمكانية والأسلحة اللازمة، والأهم إرادة استخدام هذه الأسلحة. وهو أمر يدركه المعتدون جيدًا.
تمرر صنعاء رسائلها كما تريد. بات واضحًا أنها تمسك بزمام المبادرة، فهي لم تعِد يومًا بأمر إلا ووفت به، وهو ما منحها مصداقية عند أعدائها.
لفهم الصدى الذي تحدثه الحرب النفسية الصادقة، والتي يتشارك فيها الساسة والعسكر في آن، يكفي قراءة المشهد من جهة الكيان الإسرائيلي، الذي بات يتعامل مع الضربات في الإمارات على أنها تستهدفه. يعلم الإسرائيليون جيدًا أن التهديد يطالهم، حال أقدامهم على أي خطوة غير محسوبة أو محسوبة، فإن ضربات معينة قد تطالهم. وهم يفهمون “أعداءهم” بشكل متقن وجيد، وقد عايشوا صدق ما سمعوه من المقاومة في لبنان وغزة، على أنه تصريح وتهديد مبنيّ على قدرات موجودة.
الكيان الإسرائيلي، الذي أوجد لنفسه موطئ قدم في الخليج انطلاقًا من الإمارات، ظنّ أنه قد يسمح له بالمشاغبة مع ألد اعدائه “إيران” ويفتح له بابًا اقتصاديًّا هامًّا، تبين أنه أصيب بشيء من “القلق” على صعد عدة، وبالتالي طالته شظايا صواريخ ومسيرات صنعاء، وناله من تهديدات اليمنيين نصيب.
إن الإمارات التي هزتها ضربات اليمن، تعيش اليوم “القلق” على مستقبل أرادت أن ترسمه بصورة ماسية انطلاقًا من تموضعاتها ما بعد “التطبيع”، فإذا بها تراه يهتز مع أول خطأ في التقدير ما بعد التموضع الجديد.
في المقابل، تتقن صنعاء فن إدارة المعركة، وباتت سهامها تصيب ولو يتغريدة من عيار “إكسبو.. معنا قد تخسر”.
إن وقع الحرب النفسية الصادقة يعطي نتائجه الإيجابية لدى الشعب اليمني ومناصريه وحلفائه في المواجهة، في مقابل ارتباك واضح المعالم لدى الطرف الآخر الذي بات غير مقنع بادعائه القدرة على تثبيت الأمن وجلب الاستثمارات.
ما بين حرب نفسية صادقة وأخرى كاذبة تبقى الكلمة لـ “الإعصار” التالي.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.