فرضت ظاهرة الانتحار نفسها اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، كإحدى أخطر الظواهر الاجتماعية التي ازدادت وتيرة انتشارها في أوساط المجتمعات كافة، والفئات العمرية المختلفة، لا سيما لدى المراهقين والشباب.
ورغم اختلاف الآراء حولها، بين معارض ومؤيد، ومبرّر ومستنكر، إلا أنّ تسليط الضوء على خطورة هذه الظاهرة في وقتنا الحاضر، هو أمرٌ بغاية الأهمية والدّقة.
واقعٌ مرير وتطوّرات مخزية
نشرت منظمة الصحة العالمية في حزيران/يونيو 2021 دراسة حول ظاهرة الانتحار في العالم، ووفقًا للإحصائيات الواردة فيها فإن أكثر من 700,000 شخص في العالم ينتحرون كل عام، وإنّ محاولات الانتحار هي أكبر من ذلك بكثير، فضلًا عن أن الانتحار يعتبر -وفقًا للدراسة- السبب الرئيسي الرابع للوفاة في صفوف الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا .
أما في عالمنا العربي، فقد أظهرت دراسة أجراها باحثون عرب في جامعة واشنطن عام 2015، انتحار 30,000 شخص في عام واحد فقط، وأن هذا الرقم ناتج عن عوامل وأسباب عديدة، أبرزها تلك المرتبطة بالأزمات الاقتصادية التي تمر بها المنطقة والعالم، فضلًا عن المعاناة الناتجة عن الأمراض النفسية التي يعاني منها الكثير من شعوب العالم العربي.
وفي لبنان، بلغ عدد حالات الانتحار خلال العام 2021 -وفقًا لدراسة أعدتها الشركة الدولية للمعلومات- 119 حالة حتى نهاية شهر تشرين الأول 2021. وفي تصريح للأخصائية النفسية والعضو المؤسّس في جمعية ” Embrace ” في لبنان، ميا عطوي، أفادت أن الجمعية تتلقى ما بين 300 و500 اتصال شهريًا، من قبل أناس يفكرون في الانتحار ويطلبون مساعدة نفسية.
وعلى مقلب آخر، وبالرغم من هذا الواقع المرير والخطير جدًا الذي نعيشه، يشهد العالم موجة جديدة من الابتكارات التكنولوجية المشجعة على الانتحار، لعل أبرزها “كبسولة الانتحار” التي صنعتها شركة “ساركو”، والتي من المتوقع البدء باستخدامها في سويسرا مع بداية العام المقبل، حيث يُعد الانتحار بمساعدة الآخر عملًا قانونيًا في سويسرا، وقد مات ما يقارب الـ 1300 شخص بهذه الطريقة عام 2020 فقط !
الروح أمانة الله لدينا
وهب الله سبحانه الإنسان حياةً، منحه روحًا، والروح هي ملك الله، أتت منه وستعود يومًا راضية مرضية إليه، واستعجال الموت بإزهاق الروح، هو تدخّل الإنسان بما لا يملكه .
لم تشرّع أي من الديانات السماوية الانتحار، ولم تبرّر محاولات الإقدام عليه بأي شكل من الأشكال، بل نصّت جميعها على تكريم الإنسان الذي أعزه الله وجعله سيد المخلوقات، وأدام هذا العزّ والتكريم بإنزال الشرائع، وراعى إنسانية الإنسان فيها .
من ناحية أخرى، كان للعديد من الجمعيات العالمية والمحلية دور بارز في الحدّ من ارتفاع معدلات الانتحار، بكل الوسائل المتاحة، إن كان عبر إعداد برامج مكثفة للتوعية والعمل على منع الانتحار، أو توفير سبل المعالجة الممكنة من خلال تخصيص معالجين نفسيين، وتحديد خط ساخن للاتصال وطلب المساعدة، فضلًا عن تنظيم أنشطة مختلفة لهذه الغاية لا سيما في اليوم العالمي لمكافحة الانتحار، والذي يقع في العاشر من شهر أيلول/سبتمبر من كل عام.
يعدّ الانتحار، اليوم، من الظواهر الأشد خطورة على النفس البشرية، والمعالجة الأمثل للحد من انتشارها تكون عبر وضع أسبابها ودوافعها تحت المجهر، وتوفير كل الوسائل والطاقات المتاحة للحد من الإقدام عليها. لذلك من المهم جدًا أن يوجّه الرأي العام وجميع المعنيين جهودهم نحو معالجة المشاكل والثغرات المسبّبة للظاهرة لا نحو تحديد مصير من أقدم على فعلها، لأن القضية الأساسية هي المعالجة وليس التنظير، لا سيما وأن موقف الديانات السماوية بهذا الشأن واضح وضوحًا جليًّا، وأظن أن المنتحر لو عاد للحياة مجدّدًا وسُئل “لما انتحرت؟”، لأجاب: “بغضًا بالحياة، وإنّي أبغض الحياة لعشقي لها”.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.