تسير الجزائر عكس التيار العربي المسارع للتطبيع مع الكيان الصهيوني، خصوصًا وأنه أصبح على حدودها لجهة المغرب. فقد قرّر بلد المليون شهيد الدخول على خطّ الأزمة الداخلية الفلسطينية في محاولة للعب دور إيجابي بين الفصائل الفلسطينية المتناحرة.
أصبحت الجزائر تشعر الآن أنها دولة في مواجهة مع الكيان الصهيوني الذي كنا نرسل قواتنا لقتاله مع الأشقاء العرب، بعد أن أصبح على حدودنا ويوقع اتفاقات عسكرية وأمنية واستخباراتية مع الجار والأخ والصديق، بحسب وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، في مقابلة مع صحيفة “القدس العربي”، أواخر تشرين الثاني الماضي، الذي قال أيضًا إن بلده ترى أن “السلام المعقول على الأقل يجب أن يستند إلى مبادرة السلام العربية ومبدأ الأرض مقابل السلام، وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية”.
وتعتقد الجزائر أنها “المستهدفة” و”المقصودة” من التغلغل الإسرائيلي في منطقة “ظلت إلى وقت قريب عصية ومحرمة عليه”، بحسب افتتاحية مجلة الجيش، لسان حال المؤسسة العسكرية الجزائرية، في عددها لشهر كانون الأول.
على الرغم من محاولة التمايز الجزائرية عن السياق الرسمي العربي العام حيال التطبيع، إلا أنها لازالت تنتهج “الحدّ الأدنى” ممّا تتطلّع إليه الشعوب العربية، كموقف أصيل وجذري من الكيان الصهيوني، الذي هو بنظر الشعوب العربية والمسلمة كيانًا مغتصبًا لفلسطين، ولا مكان له فوق أرضها.
وكان لافتًا الاستقبال الاستثنائي الذي نظّمه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في 7 كانون الأول الجاري، لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في الجزائر العاصمة، إذ أطلقت قوات الجيش الجوزائري 21 طلقة مدفعية ترحيبًا بوصوله، وجرى استدعاء جميع أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد في الجزائر لتحية عباس في القاعة الشرفية للمطار الدولي لدى وصوله.
وأعلنت الجزائر حزمة قرارات لصالح فلسطين، وكشف تبون عن اعتزام بلاده استضافة مؤتمر “جامع” للفصائل الفلسطينية “قريبًا، وكشف أيضًا أن بلاده قررت منح شيك بـ 100 مليون دولار لدولة فلسطين، كما أعلن تخصيص 300 منحة دراسية في الجامعات الجزائرية لطلاب فلسطينيين.
وأتى توجّه تبون نحو فلسطين في خضم مشهد متوتر للغاية في المنطقة المغاربية، في ظل تكثيف لاتفاقيات تطبيع العلاقات بين الكيان الصهيوني والمغرب، الجارة الغربية، منذ كانون الأول 2020.
واعتبر المنسق العام للهيئة الشعبية الجزائرية للتضامن مع فلسطين (غير حكومية)، محمد الطاهر ديلمي، في حديث لوكالة الأناضول، أن زيارة عباس للجزائر “لم تكن حدثًا عاديًا نظرًا للظروف والمتغيرات التي تعيشها القضية الفلسطينية تحديدًا والمنطقة العربية والشرق الأوسط إجمالًا”.
وقال إن “الجزائر ثابتة دوما في مواقفها ومبادئها تجاه فلسطين وقضايا الأمة. ففي الوقت الذي تُفتح فيه القصور لوزراء الكيان الصهيوني وتقام لهم الأعراس، تفتح الجزائر قلبها لفلسطين”.
وعن دعوة الجزائر الفصائل الفلسطينية إلى مؤتمر جامع قريبًا، اعتبر ديلمي أن هذه “الدعوة تؤكد أن الجزائر لا تدعم القضية الفلسطينية فحسب، وإنما أيضًا حريصة على وحدة الصف والموقف الفلسطيني”.
أما الخبير في الشأن الفلسطيني صالح الشقباوي، فقال للأناضول أمام “التحولات العميقة التي طرأت على العلاقة بين دول عربية وإسلامية والاحتلال الإسرائيلي، فمن الصراع إلى التطبيع والتعاون الأمني وفتح الكُنس اليهودية أمام وزير الحرب الإسرائيلي (بيني غانتس) والصلاة للجنود الإسرائيليين الذين يقتلون أطفال ونساء وشيوخ فلسطين، أكدت الجزائر أنها بخير، وأن كل محاولات تحجيم دورها وتقزيمه وإبعادها عن الملف الفلسطيني قد فشلت، وأثبت أنها دولة تاريخ وقادرة على استنهاض مقدرات الأمة للوقوف في وجه المشروع الصهيوني الذي يعبث بمكونات وتاريخ فلسطين”.
الناشر – وكالات
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.