يوم حزين مثقل -مرة أخرى- برائحة الدماء البريئة تشهده محافظة البصرة التي يخيم عليها الحزن منذ أمد بعيد، منذ أيام صاحب الزنج ونواح المختارة مروراً بالدفن الجماعي وجرائم علي كيمياوي ومهدي الدليمي وحقبة البعث الصدامي السوداء وحتى المحافظ الهارب ماجد النصراوي وما قام به من أعمال في المحافظة يندى لها الجبين وما قامت به الجهات التي دعمته ليكون محافظًا وأقصد الجهات “الخارجية: من خارج محافظة البصرة” وحتى تفجير صباح الثلاثاء المدوي الذي أوقع شهداء وجرحى أبرياء، بينهم الشاب «علي» الذي يعمل سائقًا لعجلة تعود لإحدى الشركات المحلية، علي الذي لم يكمل عقده الثالث رحل مظلومًا لا لذنب ارتكبه أو لجريرة اقترفها إلا لأنه يريد العيش بكرامة وبشرف ومن كد يد عفيفة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
لماذا البصرة؟
لماذا في هذا التوقيت بالذات؟
أعتقد أن هذه المدينة، التي يمكن لنا أن نطلق عليها أنها المهد الأكبر والأهم للولاء الإسلامي وللرفض والتحدي ومقاومة الطغيان، وهي اليوم ثقل قواتنا في تشكيلات الحشد الشعبي المقدس والمقاومة الإسلامية الوطنية، هذه المدينة يدرك الأعداء دورها وأاهميتها ونشاط أبنائها الذين عمّدوا طريق مقاومة البعث الكافر والمحتل الغادر بدمائهم الزكية ولا زالوا على العهد مع قضيتهم (عقيدتهم، وطنهم)، لا يدخرون جهدًا في سبيلهما، لذا فإن أي استقرار أو ازدهار أو احتفاء تشهده البصرة يقض مضاجع الظالمين من محتلين وإرهابيين هم أذناب لهذا المحتل يدعمهم الكفر الوهابي المتوحش.
البصرة بمربدها وبملعبها وبما تشهده من إعمار نسبي لا تروق لأعراب الذهن الخالي، ولا تروق للصهاينة والأميركيين، لذا فهم يسعون لتشويه الصورة في هذه المدينة من خلال أعمال إرهابية وأعمال تخريبية وتعطيلية قد نشهد تكرارها -لا سامح الله- في الأيام القادمة.
البصرة التي ضيعها الأقارب يدرك أهميتها الأباعد. وكم تمنينا أن لا تكون مدينتنا مدينة الشهداء.
مدينة قاسم عبود، ومطلك البهادلي، وأبو حبيب السكيني، وأبو مجاهد المالكي، هي مصدر لجني الأموال والربح المشروع وغير المشروع على حساب أهلها الفقراء. ولكن -وأكتبها بمرارة وألم- لقد ضيع الأقارب المدينة وضيعوا معها الكثير من الفرص على الناس وعلى أنفسهم.
لماذا في هذا التوقيت؟
لا لأن هناك جدلًا سياسيًّا ومماحكات سياسية وحكومة تغادر غير مأسوف عليها وأخرى قد تأتي لا يرتجى شيء منها إطلاقًا.
البصريون فقراء جدًّا -فقرة نفس- لا يهشون ولا ينشون،
بمعنى ليس لهم أي تأثير على القرار السياسي العراقي ولا قيد أنملة. قرارنا بأيدٍ كردستانية، بغدادية، نجفية، والذي يريد أن يؤثر فهو بالتأكيد سيذهب إلى هناك ليؤثر، وهو يدرك أن الربع في هذه العواصم لن يتحركوا إلا بمستوى بيانات استنكار محدودة إن سُفك دم بصري على قارعة الطريق!
الإرهابيون الأعداء جميعاً (صهاينة، أميركيون، خلايجة) لا يريدون للبصرة أن تكون مدينة هادئة هانئة مستقرة تقام على أرضها البطولات الكروية وتستقبل بحفاوة وفودًا من مناطق مختلفة. يريدون للبصرة -كما يريدها أغلب ربعنا- أن تكون أرضًا جرداء لا حياة فيها إلا لحركة النفط فقط وفقط.
العزاء الوحيد لنا في هذه النكبات المتكررة هو أن يحس البصري قبل غيره بمدينته ويدرك أهميتها ويؤشر بموضوعية إلى مكامن الخلل فيها ومن حولها ويسعى جاهدًا لمعالجة هذا الخلل. وهذا لن يحدث البتة. لن يحدث وبعضنا يشعر بالخجل من الكشف عن انتمائه لهذه المدينة.
لن يحدث وبعضنا يقدم المصلحة الحزبية على مصلحة البصرة، ومصالح الأحزاب تتقاطع مع مصلحة البصرة.
لن يحدث والرغبة المحلية والدولية لا ترغب بأن يعم الخير ربوع المدينة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.