احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.
تداول الكثيرون من الذين يعملون في مجال الدراما (ممثلون، مخرجون، كتّاب، صحافيون)، إن كان في لبنان أو سوريا، في موضوع القدرات التمثيلية للممثل اللبناني والسوري، ومنْ منهما يستحق أن يكون بطلًا في الأعمال الدرامية المشتركة التي تسيطر عليها شركات إنتاج لبنانية.
أخذت هذه الجدلية الكثير من النقاش والردود المتبادلة بين اللبنانيين أنفسهم وبين اللبنانيين والسوريين، حتى إن أحد الممثلين اللبنانيين صرح بأن “الممثل اللبناني لا يبيع عربيًا”. ورغم كل تلك التصريحات والنقاشات لم يقدم أحد رأيًا منطقيًا تحليليًا، حتى استغل البعض هذا التنازع استغلالًا عنصريًا، وباتت الساحة الفنية حلبة نزاع حول أحقية البطولة المطلقة، والقدرات التمثيلية للممثلين السوريين واللبنانيين.
في البداية لنتفق على قاعدة أساسية: إن القدرة التمثيلية هي موهبة ليس لها أي ارتباط بالجنسية، فالممثل الموهوب والمبدع قد يكون لبنانيًا أو سوريًا أو مصريًا، فلا علاقة للموهبة بالجنسية. أما ثانيًا، وبالإجابة عن سؤال هل الممثل البناني يبيع عربيًا، بما معناه لو هناك عمل درامي من بطولة ممثل لبناني هل تشتريه وتعرضه القنوات العربية؟ وبما أننا قررنا في هذا المقال التعامل مع هذه الجدلية بموضوعية، فستكون الإجابة: لا، الممثل اللبناني لا يبيع عربيًا، ولكن ليس بسبب ضعف القدرات التمثيلية للممثل اللبناني وغياب الموهبة، بل بناءً على عدة أسباب سنحاول التطرق إليها ومنها:
الحرب اللبنانية
لا بد من الاعتراف بأن الدراما اللبنانية كانت متفوقة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، وبرز النجوم اللبنانيون بشكل ظاهر في العالم العربي، أمثال عبد المجيد مجذوب وإحسان صادق وغيرهما، إلا أن الحرب التي شهدها لبنان على مدى سنوت طوال كان لها الكثير من التأثيرات، ومن ضمن تلك التأثيرات غياب الدراما اللبنانية عن الساحة الفنية لفترة طويلة، وكما لجأ النجوم السوريون اليوم للدراما العربية المشتركة بسبب الأوضاع الأمنية في سورية، لجأ الممثلون اللبنانيون إلى السينما المصرية، وكانت هناك سينما مشتركة بين لبنان وسورية، وأدى غياب الدراما المحلية اللبنانية إلى غياب الممثل اللبناني أيضًا وجعله غير حاضر على الساحة الفنية.
ضعف الإنتاج المحلي اللبناني
بعد الحرب الأهلية اللبنانية، وحرب الاجتياح الإسرائيلي، كانت هناك عدة محاولات إنتاجية للدراما اللبنانية، ولكنها لم تكن بالمستوى المطلوب، للنهضة بالدراما بعد سنوات من الاقتتال الداخلي. لم يكن هناك منتيج مستعد للتضحية بأمواله في بلد منكوب لا يضمن فيه مصير أي إنتاج صناعي أو استهلاكي، فكيف الحال بالدراما التي اختفت لسنوات، وكانت هناك حاجة فعلية لوضع خطة نهوض لها، فكان هناك بعض المحاولات الفردية التي فشلت بسبب ضعف الإنتاج، مما أدى أيضًا إلى فشل الممثل اللبناني وترويج صورة خاطئة عن قدراته التمثيلية.
غياب الإنتاج الحكومي
حتى تاريخ هذا المقال، الحكومة اللبنانية لا تعير الإنتاج الدرامي أي اهتمام، ولا تحسب الدراما من ضمن القطاعات الصناعية التي قد تدر دخلًا على البلد، فلم تقم الحكومة بأي خطوة إيجابية باتجاه هذه الدراما، إن كان على مستوى وضع خطة للنهوض بها بعد الحرب، أو تقديم خدمات أو مساعدات إنتاجية، حتى إنها لم تقدم ضمانًا صحيًا للممثل اللبناني، ونجم عن ذلك غياب الدراما وغياب الممثل اللبناني.
ضعف النصوص الدرامية اللبنانية
غابت الواقعية عن السيناريوهات الدرامية اللبنانية، مما جعلها سيناريوهات هشة، مبتذلة، لا تمثل المشاهد اللبناني الذي لم يؤمن بالدراما اللبنانية ولا بممثليها، فبات هذا الممثل مرفوضًا حتى من بيئته الداخلية.
الدراسة الأكاديمية
لم يكن لخريج معهد الفنون التمثيلية أولوية في الدراما المحلية، بل كانت الأفضلية لعارضي الأزياء وملوك الجمال، الذين لا يعرفون شيئًا عن التمثيل، وهذا ما روج لفكرة أن الممثل اللبناني هو شكل فقط، دون أي مقومات فنية.
سيطرة طائفة معينة على الدراما المحلية
لا يسعنا أن ننكر أن هناك طائفة معينة تسيطر على الدراما المحلية اللبنانية، وقد حاولت هذه الطائفة اختصار الواقع اللبناني بواقعها هي الذي يميل للمجتمعات الغربية، وهذا ما لا يتناسب مع المجتمعات العربية الأخرى، مما جعل المشاهد العربي يبتعد عن الدراما اللبنانية وممثليها.
شكل الممثل
تشهد الساحة الدرامية العربية، اليوم، ظاهرة البطل الوسيم مفتول العضلات. وقد شهدنا ذلك عند الممثلين المصريين وغيرهم، حيث يهتم جميع الأبطال بشكلهم الخارجي، أمثال: أحمد السقا، أحمد عز، أمير كرارة وغيرهم، بينما تغيب اللياقة والعضلات المفتولة عند معظم الممثلين اللبنانيين.
أعتذر مسبقًا عما سيقال عن هذه النقطة، ولكنه واقع، لقد تعود الشاب اللبناني على عيش حياته بنمطية معينة، والتحدث بطريقة معينة، والتعبير بطريقة معينة، مما أدى إلى ظهور الممثل اللبناني في شكل “ناعم”؛ والمشاهدون العرب، وخاصة الإناث، يبحثون عن الفحولة والرجولة في الأداء والصوت والوقفة، وهذا ما لا نجده عند الممثل اللبناني.
شركات الإنتاج
هنا تكمن المشكلة الأساس، رغم كل ما ذكرناه سابقًا، حول أسباب عدم اعتبار الممثل اللبناني بطلًا، إلا ان شركات الإنتاج الفنية قادرة على صناعة بطل لبناني والترويج له ليصبح بياعًا في العالم العربي؛ فشركات الإنتاج اللبنانية خاصة، لم تحاول صناعة نجم لبناني، حتى إنها فضلت وجهًا سوريًّا جديدًا لا يتمتع بموهبة تمثيلية على ممثل لبناني يُعرف بموهبته الفذة وله باع طويل في الدراما.
على المقلب الآخر من كل ما ذكرناه، نجد النقيض للدراما اللبنانية في الدراما السورية:
الاهتمام الرسمي
اهتمام الحكومة السورية بالإنتاج الدرامي الخاص بها، وإنشاء شركات إنتاج تابعة للدولة، مما أدى إلى الترويج للدراما السورية والممثل السوري.
الدراسة الإكاديمية الفنية
معظم العاملين في الدراما السورية هم من خريجي معهد الفنون الجميلة، وقد حرص المخرجون السوريون على التعامل مع خريجي معهد الفنون أو أصاحب المواهب وليس عارضي الأزياء وملوك الجمال.
واقعية الدراما السورية
الكل يشهد أن الدراما السورية هي أكثر من جسد الواقع بكل تفاصيله وشخصياته، مما حبب المشاهد العربي بالأعمال السورية التي وجد نفسه فيها.
الدبلجة
دبلجة المسلسلات التركية التي ساهمت بانتشار اللهجة السورية عربيًا، مما فتح الطريق أمام الممثل السوري مع بداية انتشاره عربيًا.
الشكل
اهتمام الممثل السوري بشكله الخارجي ولياقته البدنية، ما جعل منه بطلًا وسيمًا مقبولًا على الشاشة. بالإضافةى إلى خشونة الممثل السوري وارتباط الخشونة بالفحولة خاصة لدى المشاهدات العربيات.
إن كل ما ذكر له علاقة مباشرة بغياب الممثل اللبناني عن ادوار البطولة في الإنتاجات العربية المشتركة. ولكن نعود ونكرر أن شركات الإنتاج مثل شركة الصباح، وإيغل فيلمز لديها القدرة على صناعة نجم لبناني أول والترويج له، لكن الشركات اللبنانية مقصرة وتتعامل بعنصرية أحيانًا مع الممثل اللبناني. وعلى سبيل المثال لا الحصر قامت شركة إيغل فيلمز السنة الماضية بإنتاج مسلسل “للموت”، وكانت البطولة الذكورية فيه، وفق ذكر الأسماء على التيترات، لأحمد الأحمد وخالد القيش، علمًا أن الممثل اللبناني باسم مغنية هو أكثر شهرةً منهما وأكثر موهبةً، وقد برز ذلك واضحًا أثناء مشاهدة العمل كيف أن موهبة باسم مغنية تخطت الحدود ووضعت محمد الأحمد وخالد القيش جانبًا.
وهنا نأمل من شركات الإنتاج اللبنانية الالتفات أكثر لنجومنا اللبنانيين، ومحاولة صنع نجم لبناني يبيع عربيًا، كما فعلت شركة الصباح مع الممثل السوري معتصم النهار، فهي التي صنعته وجعلت منه نجمًا عربيًا أول رغم ضعف قدراته التمثيلية، والساحة تتسع للجميع، ولكن ما نحتاجه هو لفتة من شركات الإنتاج اللبنانية نحو الممثل اللبناني.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.