عبد الحافظ معجب* – خاص الناشر |
عندما وصف رئيس برلمان حكومة عبد ربه منصور هادي، في مقابلة تلفزيونية، اليمن بأنه الحديقة الخلفية للسعودية، لم يأت بجديد، وإنما كان يصف الدور المنوط بهم وبحكومتهم التي تقدم دولة بحجم اليمن الكبير كحديقة خلفية للمملكة السعودية، هذا النهج القديم يعود لعقود من الهيمنة السعودية على القرار اليمني منذ ما بعد ثورة 1962 عندما كانت المملكة تتحكم بكل قرارات الجمهورية بعد أن شكلت لجنة خاصة لشراء مرتزقة السلطة الذين أباحوا البلاد بطولها وعرضها من رئيس الجمهورية حينها الى شيخ القبيلة.
كان لا بد لذاك الواقع السيئ أن يتبدل بعد ثورة 21 سبتمبر 2014 وسقوط كل مرتزقة السلطة وفرار أغلبهم الى الرياض حينها. وعندما شعرت المملكة أن من كانوا يمكنونها من الحديقة قد هربوا وشردوا، شنت العدوان على اليمن معتقدة أن بإمكانها إعادتهم على متن مدرعة أميركية أو بارجة صهيونية، ولكن الواقع كان أصعب بكثير من الأحلام والطموحات.
ستة أعوام انقضت كانت بمثابة حرق شامل لكل أوراق السعودية في اليمن بعد أن ارتكبت المجازر والجرائم وقتلت الأطفال والنساء ودمرت كل شيء. وهنا خسرت السعودية مرتين الأولى لأنها استنفدت كل اوراقها بدءًا من الخيار العسكري وصولًا الى انكشاف كل خلاياها والعاملين لحسابها في الداخل، والثانية لأن تهورها بشن الحرب وارتكاب الفضائع خلق لدى اليمنيين هاجس الثأر الذي لا يمكن أن يزول من أذهانهم، بالإضافة الى أن طول مدة الحرب خلق جيلًا يمنيًّا جديدًا يكن العداء للجارة التي دمرت وقتلت دون أدنى رحمة. ولا أعتقد أن المملكة بإمكانها أن تبني علاقات مع اليمنيين على المدى القريب المنظور، نتيجة لما عايشوه من قسوة وظلم على يدها..
ويمكن القول إن يمن ما بعد الحرب لا يشبه أبدًا ما قبلها، حيث إن يمن الأنصار ويمن المقاومة تجاوز المربعات التي كان يضعها السعودي في السابق للساسة اليمنيين، ولن يجرؤ أحد على التفكير بأن يتعاطى معه كحديقة خلفية، والمؤشرات اليوم تؤكد أن يمن الانتصار لاعب إقليمي أساسي على الطاولة، ورقم يصعب تجاهله، والأمر لم يعد مرتبطًا بملفات الداخل والمعارضة وما يسمى بالشرعية أو العائدين من حضن الرياض وأبو ظبي، الأمر أصبح متعلقًا بملفات الإقليم وأمن الممرات البحرية وباب المندب والبحر الأحمر..
بعد سنوات ست من الهزيمة والفشل للتحالف السعودي الصهيو-أميركي لم يعد السعودي مكترثًا بإعادة اليمن الى عباءته لأنه اقتنع تمامًا باستحالة ذلك، ولن يفكر مجددًا بالتدخل في شؤونه، وأكبر إنجاز يبحث عنه اليوم هو كيف يحمي نفسه منه وكيف يؤمن حدوده بعد أن أصبحت مسرحًا لعمليات عسكرية يومية للجيش واللجان الشعبية. أما بالنسبة للأميركي فهو الآخر وصل الى قناعة أن اليمن لم يعد كما كان والجيل الذي يحكم مؤساته اليوم عينه وقلبه على القدس وفلسطين واليد على الزناد، وهذا الأمر يمثل قلقًا كبيرًا للأميركي والإسرائيلي. أميركا التي كانت تمارس وصايتها على اليمن من خلال السعودية، اليوم ترى السعودية أمامها تنهار وتتراجع، وفي الوقت عينه ترى اليمن يزداد قوة وصلابة وتمسكًا بقضايا الأمة المصيرية. أما الإسرائيلي فهو يدرك أن دخول اليمن على خط المواجهة مع الكيان له تداعيات ليست قليلة، لا سيما وأن تل أبيب تبحث عن موطئ قدم لها في باب المندب وسقطرى وخليج عدن وبلحاف والصليف، وكان حلمها أن تنشئ قاعدة عسكرية في إحدى الجزر اليمنية. كل هذا أصبح من المستحيل بعد الفشل السعودي في اليمن والتفكك السياسي والعسكري للتحالف..
اليمن الذي دخل في المواجهة مع التحالف في العام 2015 وهو يعاني من الانقسام والتفكك وضعف القدرات والإمكانيات، والذي تلقى الصدمة بشن عاصفة الحزم التي لم يكن مستعدًا لها، استطاع بقيادة السيد عبد الملك الحوثي أن يبني جيشًا قويًا محترفًا متمكنًا وقدرات عسكرية من صاروخية ودفاعية ومسيرة لم يكن مسموحًا له بامتلاكها فيما سبق، بالإضافة الى بناء جيش قوي بعقيدة إيمانية ورصيد سنوات من الانتصارات في مختلف الجبهات، فضلًا عن القوة البحرية التي كانت محرمة على اليمن في عهد الحديقة الخلفية وأصبحت اليوم تشكل فارقًا في البحر الأحمر وعلى المحيط الهندي والبحر العربي، ويعول عليها الكثير في قطع اليد التي تمتد الى السواحل والشواطئ اليمنية..
كل تفاصيل المعادلة اختلفت، واليمن عاد كما كان ذا سيادة وطنية تقرر مصيرها بنفسها دون وصاية أو تدخل خارجي، يرحب بعلاقات ندية في محيطه ويعلن العداء الصريح لإسرائيل والسياسات الأميركية الاستكبارية، دولة لا تريد من أحد شيئًا، وعن قريب ستكتفي ذاتيًا في الاقتصاد وستقدم نموذجًا لا يقل عن نموذج الثورة الإسلامية في مجال النهضة والبناء والتطور، وسواءٌ اعترف المجتمع الدولي أو لم يعترف بالحكومة في صنعاء فلن يتغير شيء لأن الدستور اليمني يقول “إن الشعب هو مالك وسلطة يمنحها من يشاء ويسلبها ممن يشاء”، ولا يمكن للسعودية وأزلامها المعتكفين في فنادق الرياض وأميركا وجواسيسها على الأرض وإسرائيل وعملائها أن يغيروا شيئًا في الواقع اليمني. اليمن الصامد المقاوم لن يعود حديقة ولا جنينة لأحد.
*إعلامي يمني
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.