تحقيق | المؤسسة العسكرية السورية: الصعوبات والتحديات والفرص

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

الصعوبات:
هي ثلاث معارك خاض فيها الجيش السوري مواجهة مباشرة مع إسرائيل (معركة ما يسمى بنكسة حزيران عام 1967م، ومعركة تشرين عام 1973م، وعند اجتياح لبنان عام 1982م)،
حيث استثمرت الإدارة السياسية في البلاد من تلك الملاحم الثلاث لترسم صورةً مثاليةً للمؤسسة العسكرية في وعي قاعدتها الشعبية، وهو ما أطلقت عليه لقب “الجيش العقائدي”.

يقوم مصطلح “الجيش العقائدي” على وجود عدو خارجي لهذا الجيش بحيث يصب حمم كل إمكاناته وقدراته وجهوزيته في أتون مواجهته والقضاء عليه. وبتلك العقيدة نفسها استطاعت الدولة السورية أن تخلق تعبئة جماهيرية مستمرة مخلصة في ولائها لها واستفادت منها خلال الحرب.

والسؤال هنا: كيف تبلورت عقيدة الجيش العربي السوري أثناء الحرب؟
بعد أن علمنا أن عقيدة الجيش السوري تشكلت على أساس وجود كيان غير شرعي يجب إخراجه من المنطقة نجد أولًا: أن مرور سنوات طويلة على انعدام أي احتدام أو اصطدام بهذا العدو يخمد شعلتها ويطفئ مكنونات تأثيرها ويكبح كمونات فاعليتها، وثانياً: عدم وجود سرديات تضخ المبادئ والقيم والمعنويات في شرايين تلك العقيدة وتبقي على فتيل الحياة والثورة في داخلها مشتعلًا.

لهذين السببين تحول الجيش السوري في كثير من الأحيان إلى مؤسسة تقليدية كغيرها من مؤسسات الدولة، إلى أن بدأت الحرب على سوريا في العام 2011م حيث أخذت في بداياتها شكل المظاهرات الشعبية السلمية، ولم يأت الاعتراف بوجود السلاح بأيدي المتظاهرين على وسائل الإعلام العربية والأجنبية إلا في وقت متأخر.

في تلك الأثناء وبسبب قرار القيادة السورية عدم استخدام القوة في وجه المعارضة، والذي استمر لسنة كاملة، خسر الجيش وقوى الأمن الداخلي ورجال الشرطة الكثير من عناصرهم وجنودهم، وكانت حادثة ذبح المعارضين لعناصر من الجيش السوري وإلقائهم في نهر العاصي أكبر فاجعة في تاريخ المؤسسة العسكرية تتعرض لها منذ تأسيسها.

ونجد هنا أنه وبالرغم من المحاولات الممنهجة للمعارضة المسلحة في سورية أخذ الحرب إلى منحى طائفي، أولًا، من خلال تسميات بعض  فصائها مثل كتيبة “أنصار السنة”، وثانيًا: من طريقة الترويج لهذه الحرب ومحاولة إحداث الفتنة الأهلية عبر الوسائل الإعلامية التي تدعمها، مثل قناتي صفا والوصال السعوديتين، وثالثًا، استباحة القرى والبلدات التي يقطنها أصحاب طائفة معينة والقيام بعمليات ذبح وترويع وخطف لابتزاز عناصر الجيش السوري من أبناء تلك الطوائف محاولين بذلك إحداث انقسامات على أساس طائفي داخل منظومة الجيش، فإن المعارضة المسلحة لم تستطع أن تحدث هذا الشرخ داخل بنية الجيش السوري، إلا أنه تعرض لكثير من المخاطر التي هددت وجوده خلال فترة الحرب، ومنها:

  1. انخفاض عدد المجندين في الجيش بسبب الخسائر في الأرواح وحالات الفرار من الخدمة ووجود الكثير من المخطوفين والمفقودين والكثير من الشباب الذين سيطرت على مدنهم وقراهم المجموعات المسلحة ومنعتهم من الالتحاق بخدمة العلم، حيث يبلغ إجمالي عدد القوات المسلحة السورية بحسب رويترز (295) ألفاً وقوات الاحتياط (314) ألفاً.
  2. استمرار الخدمة الإلزامية والاحتفاظ بالمجندين لأكثر من 8 سنوات بحكم ظروف الحرب ما جعل فكرة الالتحاق بالخدمة عند الشباب أشبه بالدخول في نفق مظلم مجهول آخره، ففضل الكثير منهم الهجرة إلى خارج البلاد.
  3. انتشار الجيش بتشكيلات غير كافية على مساحات كبيرة من المواقع والجبهات مما أدى إلى انعدام تبادل المناوبات بين عناصره حيث أصبح العنصر الواحد من أفراد الجيش يتولى ورديتي حراسة، أي ساعات طويلة متواصلة، وانخفض عدد إجازاتهم ما أثر بشكل سلبي على نفسيتهم وأدى إلى إرهاق الجندي السوري وفقدان طاقته ونشاطه.
  4. فقدان الكثير من الشهداء من ضباط وصف ضباط ومجندين وكبار القادة بسبب حجم الدعم الهائل عسكريًا ولوجستيًا الذي تلقته مجموعات المعارضة المسلحة من الدول الغربية وبعض الدول العربية وتركيا والذي كان بمقدار لا قبل لأي جيش أو دولة بمواجهته.
  5. الحدود المفتوحة من كل جهة على سورية والتي يصعب على أي جيش مهما كان تعداده وجهوزيته أن يستطيع مراقبة وضبط أي خلل أمني يتسرب من تلك الحدود خصوصاً في ظل استغلال المجموعات المسلحة لها وتوظيفها في استجلاب المقاتلين الأجانب من مختلف الجنسيات وبأعداد كبيرة وإدخال مختلف أنواع الأسلحة والعتاد.
  6. القصف الإسرائيلي المتواصل على مواقع الجيش السوري منذ بداية عام 2013م إلى اليوم حيث طالت الاستهدافات في معظمها البنية التحتية للجيش السوري وأهم المقرات ومخازن الذخيرة ومواقع للدفاع الجوي والمطارات العسكرية كاستهداف قاعدة التيفور في حمص ومطار عسكري في حلب والمنطقة المحيطة بقاعدة المزة العسكرية، واستهدفت أيضًا المطار الدولي أكثر من مرة وذلك بحس إحصاءات لموقعي (INDEPENDENT) و (FRANCE24) وبحسب تقرير لموقع الـ (RTArabic)  أن إسرائيل قد صرحت في بياناتها الأمنية عن العام الماضي أن جيشها نفذ 50 غارة على أهداف في عمق الأراضي السورية ومنها ما أتى متزامناً مع اعتداءات للمسلحين وتنفيذ هجمات وجرائم كاستهداف وسائل النقل المدنية في البادية السورية والتي أدت إلى استشهاد وإصابة مدنيين، ناهيك عن الهجمات الأميريكية المباشرة والمتكررة التي كان آخرها ضرب قاعدة سورية في العام 2016م راح ضحيتها 100 جندي من الجيش السوري بحسب تقرير لموقعي (CNN) و (RT arabic)

7.  استهداف المعارضة المسلحة لحواجز الجيش المنتشرة في المدن والأحياء والقرى وخرقها في كل مرة اتفاقيات الهدنة التي كانت تستغلها لتجميع قوتها بعد تلقي الضربات الموجعة من قبل الجيش.

8.  انشقاق عدد من عناصر الجيش بعد تلقيهم الدعم المالي من المعارضة المسلحة ومنهم من قام بذبح رفاقه وهم نائمون قبل الفرار إلى جهة الفصائل المسلحة التي كان يعمل لصالحها.

  1. تشكيل ترسانة إعلامية ضخمة معادية تعمل على شيطنة الجيش السوري وتشويه صورته منذ بداية الحرب، وتجنيد الكثير من القنوات والبرامج والإعلاميين والمواد المضللة لهذا الغرض، وفي المقابل عدم كفاءة الإعلام الوطني واستعداده وامتلاكه الإمكانات والأدوات اللازمة بما يكفي لسد ثغور الجبهة الإعلامية ومواجهة هذه التحديات.

التحديات:
بعد استعادة الجيش السوري مساحات واسعة من الأراضي السورية واحكام سيطرته على الكثير من المواقع الاستراتيجية المهمة ونجاح العملية الانتخابية، هناك جملة من التحديات أمامه في هذه المرحلة تتمثل بـ:

  1. محاربة سلك الفساد الذي تسرب داخل مفاصله بفعل مخلفات الحرب وآثارها وذلك بصورة شفافة وجريئة وحكيمة في آنٍ واحد.
  2. إعادة تعميق الالتحام والانسجام بين المؤسسة العسكرية والمجتمع المدني
  3. إيجاد بيئة مناسبة ومساحة استيعابية داخل أنظمة المؤسسة العسكرية وبرامجها التدريبية للاتجاهات المحافظة أو الملتزمة دينياً، بحيث يقدم لها بديل ملائم لطبيعتها يحصنها من الانسياق نحو مائدة المعارضة المسلحة المتشددة والتي تلعب على الوتر الحساس في استقطابها.
  4. جعل عملية تطوير الجيش من الداخل أولوية ملحّة والاستفادة من الدول الصديقة في هذا المجال بما يتناسب مع عقيدته القتالية.
  5. إيجاد حل منهجي مدروس للتعامل مع فصائل المعارضة التي خضعت للمصالحة وقبلت بتسليم سلاحها وتسوية أوضاعها. وقد ذكر الكاتب السياسي “انطون لافروف” في مقال له على موقع (مالكوم كير – كارنيغي) للشرق الأوسط أن الحل لتلك المشكلة هو دمج وحدات المتمردين السابقين في القوات المسلحة الوطنية مؤكداً على خطورة اتباع سياسة نزع السلاح منهم وحلّهم فقط معتبرًا أن الكثير من المتمردين المستسلمين يرون أن الخدمة في الجيش أو القوات الرديفة هي الطريقة الوحيدة لكسب العيش وتجنب الاضطهاد السياسي.

الفرص:
أما عن الفرص المتاحة أمام المؤسسة العسكرية لتطوير هيكليتها وإقامة إصلاحات شاملة على مستوى العامل المعنوي والنفسي داخل بنيتها، فهي:

1 – وجود عدو خارجي واضح وصريح في عدائه للدولة السورية بكل مؤسساتها، وخاصةً المؤسسة العسكرية، ويمارس عداءه على الأرض، فيستطيع الجيش السوري استثمار هذا العداء في التعبئة الشعبية لصالحه بالتعاون مع المؤسسات الإعلامية والتربوية والثقافية والدينية خصوصاً بعد ظهور حجم التنسيق والدعم بين هذا العدو ومختلف جماعات المعارضة المسلحة.

2 – تعميم نماذج من عناصر الجيش السوري
قدمت أعلى مستوى من التجلي للحالة القيمية والأخلاقية والترجمة للانتماء الوطني والتمسك بالأرض مثل الشهيد باسل قرفول الذي دمر على جبهة البحوث العلمية بحلب أربع مصفحات مفخخة من منطقة الصفر وأنقذ باستشهاده الكثير من الأرواح سواء من رفاقه في الجيش أو المدنيين.

3 – الاستفادة من التجربة الإيرانية في بناء القوة العسكرية بعد حرب الثماني سنوات، وذلك عبر تسخير مجريات الحرب ووقائعها لبناء سرديات مفعمة بالدعم المعنوي والنفسي وملء الفراغ الايديولوجي وتغذية الجانب القيمي وخلق الدافعية اللازمة للتماسك والقدرة على التفاعل بمرونة مع المواجهة تحت ما أسموه (معارك الدفاع المقدس).

الخلاصة:
وفق تلك المعطيات نستخلص أنه في الظروف التي مرت بها المؤسسة العسكرية طيلة سنوات الحرب صحيح أن نظرية “الجيش العقائدي” لم تتبلور بصورة فاعلية في الميدان أو القدرة على التأثير في الموازين والأحداث أو التغيير في الظروف حيث يرجع ذلك إلى عدم ترسيخها وتنميتها وعدم جهوزية الجيش السوري لحروب داخلية من هذا النوع، إلا أن مهمتها أخذت شكل المنع أو الدفع أي أنها حصنت المنظومة العسكرية من التفكك وحدوث الانقسام والانهيار من الداخل أو التآكل من الجذور وأبقت على الجيش متماسكاً محافظاً على وجوده وتنظيمه وتشكيلاته من خطر التصدع بفعل كل تلك الكدمات التي تلقاها خلال السنوات العشر الماضية.

المراجع:
موقع Reuters بالعربي
موقع INDEPENDENT
موقع FRANCE24
موقع RTArabic
موقع CNN
موقع مالكوم كير – كارنيغي للشرق الأوسط.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد