“القوات” حالة فوضوية لا تنسجم مع حالة النظام، ولم تفعل ذلك سابقاً. تستطيع أن تخترقه وتوظف جزءًا منه لصالح مشروعها، لكنها تهدف لإعادة بناء النظام على أساس عنصري وفرداني، وبأدوات تعود إلى قرون بائدة، قرون الهمجية المنفلتة.
القوات بهذا المعنى لديها الاستعداد للعبث بأمن الجيش وأمن المسيحيين وأمن لبنان، وفتح البلاد على الفوضى والخراب. الخراب هو الطريق الطبيعي لتحقيق مشروعها، ولا تستطيع أن تصل إلى هذه العنصرية والفردانية إلا بالعبث بالنظام، بكل الأنظمة.
مشكلة القوات أنها تدمج أفكارًا عشائرية مع لغة مخادعة ومنمقة، مضافًا إليها طموحات فردية فيها الكثير من المبالغة، وغرور غير طبيعي. هكذا طبيعة وهكذا تركيبة تقوم على إلغاء الآخر، دون الحاجة لمراجعة هذه الفكرة، فهي متأصلة في التركيبة النفسية والتنظيمية لهذه الحالة.
هذه الحالة المريضة نفسيًّا واجتماعيًّا، والتي تقوم لغتها الداخلية على الجريمة وانكار الحقوق المشروعة الطبيعية للآخرين، تتلاقى مع ثلاثة نماذج بشكل جوهري: الأميركي، والوهابي، والصهيوني، مع فارق اللغة والشكل.
بالنسبة للـ”قوات”، الجيش آخر، والمسيحي غير المنتظم حزبيًا آخر، والعربي آخر، والمسلم آخر، والدولتي المؤسساتي آخر، والفكري المختلف آخر، والآخر ينظر إليه كمادة للإلغاء والتخلص منه، لأنه عثرة في وجه الطموحات الشخصية، وترى هذه العصابة أن من حقها الطبيعي القيام بعملية الإلغاء لأجل الهدف.
التخلف لدى “القوات اللبنانية” يضطرها واضطرها طوال تاريخها إلى التعلم بطرق صعبة، والوصول إلى الوقائع البسيطة التي يعرفها كل الآخرين، بطرق معقدة وطويلة، وهذا ما عرضها طوال العقود الماضية إلى أزمات وصدمات، في حين كان الآخرون يتطورون ويتأقلمون بشكل طبيعي مع المراحل.
تتسم حالة القوات بالعجز عن مراجعة التجربة، حتى التجارب القريبة، وبسوء فهمها للتحولات والمشكلات والتحديات، وكذلك حتى لفرص الكسب والتأقلم مع البيئة، لأن الاندفاعة الشخصية المريضة تمنعها من التروي والتأني والدراسة الموضوعية، وكل الحركة الفكرية لديها محكومة باندفاعة القائد.
تتسم نمطية القوات بالتحرك المتسرع نحو الفرص غير الواضحة، والعمل على اقتناصها، باعتبار العجز عن ذلك هو خطأ في الممارسة، وليس مشكلة في الفرص نفسها وفي درجة الممكن السياسي فيها، ولذلك تعاني من تتابع الفشل، وسوء التوقع، والخلل في فهم الديناميات السياسية والاجتماعية المحيطة.
حين تضع تنظيمًا يعيش هذا التخلف الفكري والنفسي، وهذا الانقياد والطموح غير الواقعي، في بيئة مأزومة، ووسط تحالفات بخيلة ولا تساهم في حل الأزمات المتتالية، فإن المشغل من خلال هذا الإجراء، يدفع حالة الضغط النفسي المتراكم داخل التنظيم، إلى حد الانفجار، ويصبح تحت سيطرته تمامًا.
أمام هذا المنافس، تعيش القوات نكدها الداخلي المكبوت، والقيود التي تحيط بها من كل جانب تزيد في نظرها مدى نجاح المنافس، وبالتالي ستكون ألعوبة طيّعة بيد المشغل الخارجي، للذهاب إلى عمليات مثل عملية الطيونة، خصوصًا بعد فضيحة الصقر ومعجزة المازوت الإيراني.
مقابل كل أزمات “القوات”، تضع دومًا نصب عينيها طرفًا راكم النجاحات طوال عقود أزمات “القوات”، وطرفًا لديه دقة في تحديد الممكن السياسي، وفي الوصول للاستفادة منه، وطرفًا قادرًا على الحفاظ على هوية عقائدية بالتوازي مع الانسجام والتكيف، وقادرًا على التشبيك مع بيئة مسيحية عجز القوات عن احتضانها.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.