عند الحدود مع فلسطين المحتلة كل شيء يختلف. حتى رائحة التراب هناك مختلفة. ما بين حالة الهدوء والسكون والحركة الطبيعية، لا بل اكثر، من الجهة اللبنانية، تشعر مباشرة بنوع من الترقب والحذر الدائم خلف الشريط او الجدار الذي يفصل ما بين القلب وشرايينه.
كانت رحلتنا الى الحدود لنرى ونطلع على حالة الاستنفار الخفي التي يمارسها جيش الاحتلال الاسرائيلي الذي لم يعد يدرك او يعرف كيف سيتعامل ويتعاطى مع المعادلات الكثيرة التي فرضتها المقاومة على مر السنوات وصولًا الى آخرها القصف بالقصف وقبلها حالة الترقب وما بات يعرف بـ”الإجر ونص”.
وصلنا الى الشريط الشائك عند العديسة حيث يقوم كيان الاحتلال ببناء جدار عازل بعد ظاهرة الانفاق التي شكلت له ارقًا ويحاول ان يضع حدًّا لهذا الخوف والقلق.
لا يظهر عند الجدار إلا عمال يلبسون اللباس المدني ليقولوا للمقاومة نحن لسنا بجنود ولسنا بعسكر. ما إن صعدنا الى بناء بالقرب من الجدار الذي يتم بناؤه حتى تم سحب السيارة المدنية التي كانت تقف هناك بسرعة خوفًا من ان نرى لوحتها ربما، وارتبك العمال وتوقفوا عن العمل.
تركنا هذه النقطة لنتقدم اكثر بين الاشجار. مسافة قطعناها بين الاشجار ثم طريق ترابي. وصلنا الى تلك الصخرة التي صبغت باللون الازرق وما بات يعرف بالخط الازرق. طبعًا لو كان اخضر كان اجمل. اقتربت اكثر بين اغصان الاشجار ألتقط بعض الصور. الكل في الدشم. خرج جندي مطلًّا فقط برأسه، تناول كاميرا وراح يلتقط لنا الصور. اتصال وصل لنقطة الامم المتحدة. شباب لو سمحتم لا تستطيعون ان تقتربوا اكثر، ابتعدوا عن الخط، لا تصوروا. فهمنا ان الاسرائيلي اتصل مباشرة بغرفة الامم المتحدة والتي اعطت النقطة التي كنا نقف عندها التوجيهات. الى هذا الحد هم يعيشون بهشاشة. القصة صورة وفيديو، لكن ارتبك الجميع، واتصالات. قلت لنفسي: هل يتصل الامين العام للامم المتحدة ويستنكر؟
المهمّ، اكملنا طريقنا باتجاه نقطة اخرى. هذه المرة عند وادي هونين والتي يحتل جزءًا منها الاسرائيلي. هناك لا اثر لأي جندي. لا ترى الا فتحات في الجبل يختبئ خلفها جنود الاحتلال. حتى البوابة التي هرب منها جنود الاحتلال بعد حرب تموز خالية. نرى في الوادي عائلة لبنانية من رجال ونساء واطفال. ماذا تفعلون هنا والجنود الصهاينة على بُعد امتار من حيث تتواجدون؟ التفت اليّ رب العائلة من بعيد ثم اقترب. عرفني وقبل ان يجيبني عن سؤالي راح يسألني عن صحتي. ليش ضعفان؟ المهمّ، بعدها قال لي: هذه ارضنا ونحن من نحدد اين نبني واين نعيش واين نتواجد. سألته: ألا تخاف ومعك اطفال؟ اجابني: اخاف من هؤلاء الجبناء؟ هم الخائفون المختبئون. حديث طويل خلاصته تمسّك بالأرض رغم كل ما فيه من خطر. هذه العلاقة ما بين الروح والارض لا يفهمها الا من يحمل روح المقاومة بداخله.
طبعًا كل هذه الاراضي التي كنا نتواجد فيها قبل عام ٢٠٠٠ كانت محتلة وكان ممنوعًا على اي مواطن ان يقترب. الآن لا ترى الا البناء والزراعة والتشجير. حالة من الايمان وحالة من الاطمئنان، وحديث عن المواجهات والبطولات.
كل هذه الجولة وما شاهدناه وما رسخته المقاومة من معالادت وخوف وقلق عند الصهاينة ومع كل ذلك لم نر أي مقاوم او موقع مشخص للمقاومة او حتى قطعة سلاح. ربما من لا يمتلك هذه الروح لن يعرف معنى ما تحدثت عنه.
تحياتي
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.