حسين شكر – خاص الناشر |
منذ اليوم الذي وطئت فيه قدم العصابات الصهيونية أرض فلسطين، بغرض احتلالها، مارس العدو الصهيوني حرب إلغاء على الشعب العربي الفلسطيني هناك. اعتنقت تلك العصابات القاتلة “ديانة التصفية” (eradication ideology) لمجموعات كاملة من الشعب الفلسطيني، وهو أمرٌ سبق للاحتلال الأميركي أن مارسه مع قبائل السكان الأصليين من خلال تطبيق ذات العقلية والمنطق، فقتل ملايين (يمكن العودة لكتب الأستاذ منير العكش حول الإبادات الأميركية للسكان الأصليين، ككتاب “دولة فلسطينية للهنود الحمر”). بدأت العصابات الصهيونية كالشتيرن والهاجانا والبلماخ تتسابق فيما بينها، للوصول إلى السلطة من خلال “أبشع” المجازر وأعنفها تجاه سكان فلسطين العزّل وغير المدربين، فكانت بدايةً مجزرة سوق حيفا في العام 1937، وصولًا حتى مجزرة دير ياسين 1948، ولم تتوقف المجازر حتى كتابة هذا المقال.
أُسس الكيان العبري على إستراتجية الاغتيالات السياسية والقتل الممنهج والجغرافيا المحروقة كليةً، كمنطلقٍ لبناء هوية الدولة. تم التوقيع على الاستراتيجية عام 1914، إبان مؤتمرات الصهيونية الأولى. بدأت بعدها المجازر في كل فلسطين؛ مذابح بطول البلاد وعرضها لم يسلم منها لا البشر ولا الشجر ولا الحجر. تلك العقيدة التي تمثلت ببث الرعب في نفوس الشعب الصامد في أرضه والتي اعتنقتها لاحقًا الأحزاب اليمينية في لبنان فكانت مجزرة صبرا وشاتيلا.
“تمت محاصرة المخيم”، هكذا ردد الضابط الصهيوني شلومو بن بنيامين عبر جهازه، وما هي إلّا دقائق حتى دخلت قوات إيلي حبيقة (قائد المجلس السياسي في القوات اللبنانية آنذاك) تعاونها قوات سعد حداد (قائد ما سمي بجيش لبنان الجنوبي) مدعومة بحقد هائل. قد يسأل أحدهم يومًا أين كانت الناس والدولة والأحزاب التي رفعت شعار الوطنية؟ أين كان كل هؤلاء الذين امتشقوا سلاحًا بوجه الصهيونية يومًا؟ كان المقاتلون الفلسطينيون قد غادروا بيروت عبر بواخر حملتهم بسلاحهم بعيدًا عن لبنان بُعْيدَ اجتياح العدو الصهيوني في العام 1982، على إثر اتفاقيةٍ لجلاء الثورة الفلسطينية تم توقيعها آنذاك. كانت المخيمات بكليتها دون بندقية فلسطينية تحميها. خارج المخيّم؛ لم يرفع أحد صوته لتتوقف المجزرة التي استمرت لأيامٍ طوال، وخلّفت آلافًا من الشهداء المقطعة أوصالهم بطريقةٍ وحشية، تليق بالصهاينة الجدد.
أطفال كانوا بالأمس يلعبون الكرة في زواريب المخيم الفقيرة، ونساء كنّ يصنعن مؤنة؛ كنوعٍ من المقاومة الثقافية. دخل القتلة بعد رفع مكبرات الصوت بعبارة “سلم تسلم”، يحملون رايات بيضاء، فخرج عليهم الأطفال والنساء وكبار السن. ساعتها بدأت “المقتلة”. كانت حفلة من الجنون الكامل مارسها حزبا الكتائب والقوات اللبنانية؛ ميليشيا جيش لبنان الجنوبي والعدو الصهيوني يدًا بيد. اغتصبت النساء قبل قتلهن، بقرت بطون الحوامل قبل قتلهن، كما لو أنّ القاتل أراد إيصال ذات الرسالة التي أراد الصهيوني قبله بسنوات إيصالها: الإبادة الكاملة.
يومها تغير كل شيء حسب تعبير الصحافيين الذين دخلوا إلى المخيم. كانت الدماء تنتشر على الأرض في كل مكان. بعض الجثث ما زالت الفؤوس فيها. قرب المدينة الرياضية كان هناك حفرة كبيرة مليئة بالجثث لم يستطع أحد الأقتراب منها، حتى أنّ الرائحة كانت تصل حتى محيط السفارة الكويتية (المنطقة التي تدعى دوار الجندولين اليوم). كانت أجساد بعض الشهداء لا تزال معلقةً أمام منازلهم شاهدةً على الوحشية. انهار الصحافيون على الأرض من هول ما شاهدوا. أكثر من ثلاثة آلاف شهيد تمت تصفيتهم على مدى ثلاثة أيام كاملة، لم يسلم أحد. لبنانيون ومصريون ومغاربة وجزائريون. كل من كان في المخيم كان عرضة للقتل والتنكيل والاغتصاب. كل هذا القتل والقصف كان يتم دون أن ينزعج أحد، دون أن يصرخ أحد، دون أن يحاسب أحد. كل المشتركين في المجزرة كانوا –ولا زالوا- معروفين: إيلي حبيقة أصبح وزيرًا، آرييل شارون أصبح رئيس وزراء، فيما سعد حداد استمر في وجوده على رأس ميليشياه!
من جهته مناحيم بيغن رئيس وزراء العدو آنذاك، ثبَّت الفكرة حينما قال “أناس غير يهود قتلوا أناسًا غير يهود، ما شأننا نحن؟”. وللحق كان يكذب بصوتٍ مرتفع، فهُم “أم الصبي”؛ فالصهاينة هم من سلحوا ودربوا والأكثر من ذلك هم من أعطى ذلك “المنطق القتلي” لهؤلاء المجرمين.
في المحصّلة لا تزال صبرا وشاتيلا جرحًا كبيرًا في وجه الوطن العربي بمواجهة الصهاينة، لأنها مجزرة لم تتم معاقبة مرتكبيها حتى اللحظة ولم يتم حتى التشهير بهم لما فعلوه وارتكبوه من فظائع ومصائب.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.