بعد حراك السابع عشر من تشرين الأول عام 2019 والذي ظهر ببداياته على شكل غضب شعبي شامل بوجه جميع أركان السلطة مُضيِّعاً بذلك من يتحمل المسؤولية الحقيقية حيال ما وصلت اليه الأمور بالبلاد، اختفت كل زعامات البلد ولم يجرؤ أحد على الظهور سوى قائد واحد ألا وهو الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي أخذ على عاتقه إيضاح الصورة للرأي العام من موقع المسؤولية الوطنية، ومن ثم طرح حلولًا للأزمة التي بدأ أفقها يتضح ويكبر منذ ذلك التاريخ.
بعد السابع عشر من تشرين الأول وحتى تاريخنا هذا، خرج السيد نصر الله بـ 63 خطاباً شاملاً، خاطب خلالها الخارج والداخل والشعب، كلٌّ أخذ حقه من كلامه. التهديدات والتحذيرات للخارج الذي يتولى مهمة الحصار، طرح الحلول في الداخل للخروج من المأزق، أما اللافت والذي أخذ حيّزاً مهماً من كلامه، فهو مخاطبة شعبه من موقع المسؤولية تجاهِه، فبعد أن أوضح صورة ما يحصل وحقيقة المشهد وخلفياته، تحدّث عن كيفية التعامل معه، وبما أنها مرحلة صعبة، دعا السيد شعبه للصبر والبصيرة على أساس الثقة الكبيرة بينه وبينهم، مؤكداً أن حزب الله لن يتخلّى عن بلده ولن يسمح بتجويع شعبه ولن يسمح بإغراق البلد أو يدفع به الى الهلاك.
طبعا لم تأتِ هذه الدعوة من فراغ إذ دائمًا كانت تأتي بعد طرح الحلول للخروج من الازمة التي باتت تكبر يوماً بعد يوم، لذا كان دائماً يردد أن هناك آفاقًا واسعة وخيارات كثيرة وخطوات كبيرة تستطيع أن تُخرج البلد من مأزقه.
كان يطرح الحلول عبر الدولة عندما تعجز الدولة وتتخلى عن مسؤولياتها، مُرددًا عبارة نحن قوم لا نسمح بإذلال شعبنا، تمامًا كما قال في السابق مخاطبًا العدو نحن قوم لا نترك أسرانا في السجون. وبين هذه العبارة وتلك تغيّرت الأساليب والهدف واحد، ووحده من يملك مفتاح القراءة ومفتاح المواجهة.
السيد نصر الله قسّم الأزمة الى قسمين شق خارجي وشق داخلي، وتحدّث عن كيفية مواجهة الخارج ومواجهتها في الداخل، والتي كان عنوانها تعدد الخيارات والخروج من أسر الخيار الواحد المتحكّم بقرار البلد ونمط حياة شعبه خارقًا سيادته.
خاطب السيد نصر الله شعبه بكل صراحة ووضوح، وصّف الأزمة بدقة، طرح كيفية الخروج منها، طرح حلولًا وخيارات إن كان على صعيد نمط العيش أو على صعيد كيفية تعاطي الدولة مع هذه المرحلة، وتجسّد صدقه بالحلول التي قدّمها لتخفيف معاناة الناس بانتظار الحلول الجذرية التي تحتاج الى وقت.
حتى المحاضرات الدينية لم يوفرها السيد نصر الله لمخاطبة شعبه إن لناحية إيضاح المشهد أكثر او لناحية الصبر على ما نحن عليه. وقد ظهر جليًّا في الخطاب الأخير في الصورة الخلفية التي حملت الآية الكريمة “سيجعل الله بعد عسرٍ يسرًا” يتبعها الإيمان بالشعب بعبارة أهلنا أهل الكرامة والعز والشرف.
عندما تُراجِع ذاكرتنا المشهد من بداية الازمة حتى يومنا هذا نتأكد أكثر من بصيرة هذا القائد واستثنائيته بالتعامل مع شعبه بكل صدق وشفافية واحترام وكأنه وحده يحتكر هذه الصفات.
السيد نصر الله لم يزرع الأمل في نفوس الناس فقط في زمن زرع اليأس الممنهج والذي بات هدفًا لمن يتربص بهذا البلد ويريد تدمير شعبه بأدوات داخلية من سياسيين وجمعيات أهلية ومجتمع مدني وإعلاميين وفنانين، ولم يوفروا أي شيء يمكن أن يؤثر على الرأي العام لتيئيسه، إنما بلغ به التعبير حدّ القول: من يدعُ لليأس يرتكب خيانة وطنية.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.