طغت البهجة على كلّ شعور بالقهر. فلحظة من فرجٍ تزيل أعمارًا من المرارة. نُثر الأرزّ والورد، زغاريد ودموع وأناشيد نصر عرفناه بعد معارك التحرير، من “دحر الصهيونية” عام ٢٠٠٠ إلى تحرير الجرود عام 2017.
لكن، هل هذا الفرح الغامر هو لمجرّد دخول مادة المازوت إلى لبنان، كما حاول الخائبون لخيبة معلّميهم تصوير الأمر؟
إليهم بعض الأجوبة المختصرة عسى يحضر بذهنهم ما غاب أو غُيّب لصالح عوكر:
- أهل الصّبر لم يشكّوا يومًا بالفرج. كان يقينهم الذي ما اهتزّ تحت وقع التهديدات بالتجويع والتهويلات بمفاعيل حصار قاتل.
وفرحهم كان انعكاس يقينهم ذاك. وكسر الحصار بحدّ ذاته هو انتصار يقينهم على كلّ جهود الترهيب والترويع والتشكيك والتهديد. - صدق الوعد هو ميزة من ميزات السيّد حسن نصر الله. وهذه الميزة اعتادها الناس فيه. التوقيت لا يعنيهم لثقتهم العالية بتحقّق الوعد. ولذلك لم يشكّل الوفاء بالوعد بالنسبة إليهم إلّا مناسبة جديدة لإعادة إشهار الولاء على وقع صيحات الفرح وزغاريده.
- ليس صدفة عبور القافلة التي كسرت الحصار ومرّغت أنف المحاصرِين بالوحل، من حيث عبر إلى سوريا كلّ الذين عادوا شهداء أو جرحى أو منتظرين. هذه الطريق المحرّرة تعني الكثير لأهلها، أي لأهل المقاومة. وكلّ حدث يرتبط بها، بذاكرتها التي لم تزل طازجة هو فرح عظيم.
- الصهاريج التي عبرت بالأمس من سوريا إلى لبنان، محمّلة بالكرم الإيراني الذي عبر البحر، ترمز إلى وحدة الدم في محور الشرف، وإلى توحيد الجهود بغية تحقيق الهدف. وبالتالي دلّت على أنّ هذا المحور أشبه بالجسد الواحد الذي تتضافر جهود كلّ خلاياه لترميم ضرر أصاب إحداها. وبالتالي، فرح الأمس كان انعكاسًا للشعور بعزّ الانتماء إلى محور لا يخذل أطرافه بعضهم بعضًا.
- بعد سيول الدعاية المحرّضة والمدفوعة والمكلفة التي التزم بأدائها أدوات عوكر في لبنان ضدّ البواخر الآتية من ايران، وبعد حملات التكذيب والتشكيك والسخرية التي ألحقت الأذى المعنوي بكلّ الناس، ولا سيّما الفقراء الذين نكّلت بهم الأزمة المعيشية والاقتصادية، من الطبيعي أن يكون مشهد دخول القافلة بحدّ ذاته ردّ اعتبار مفرحًا ويبعث على السرور.
- ثمّة ما يعجز المتأمركون عن فهمه جيّدًا، وهو الصلة العميقة وجدانيًا بين الناس وحزب الله. وبالتالي سيصعب عليهم فهم الخلفية التي تجعل الناس تستقبل كلّ ما يرتبط بحزب الله بحماسة وحبّ بغضّ النظر عن ماهية أو محتوى القافلة. ويعرف الطيّبون أن لو قرّر حزب الله من دون مناسبة أن يسيّر موكبًا يحمل أعلامه ويرفع صوت أناشيده لوجد الناس على الطرقات تلقي عليه الورد والتحيّات.
- يستطيع الناس بفطرتهم تمييز حالات الانتصار، لأن المعاناة تقع عليهم بشكل مباشر في الحروب بكافة أشكالها، وبالتالي هم أوّل من يستطيع تحسّس الانفراجات ولو النسبيّة. وما حدث بالأمس كان انتصارًا على الارهاب الاقتصادي بكلّ ما للكلمة من معنى. ومن البديهيّ أن يتفاعل الناس، الذين تقع عليهم المعاناة، مع كلّ مؤشّر انتصار.
لهذه الأسباب مجتمعة رأينا الناس بالأمس أفواجًا من فرح هدّار.. فرح المنتصرين الذين كسروا الحصار بصبرهم وبيقينهم بسيد “من وعد ووفى”.. فرح الأوفياء لمحور الشرف المقاوم الذين ما بخلوا بالدم، ورفعوا معاناتهم على أكفّهم قرابين ودلالات.. هؤلاء الذين قالوا “إنّ مع الصّبر نصرًا”، والذين احتموا ببصيرتهم من سهام الحاقدين، هم أجمل وأعلى مستحقي الفرح، ولو كره الخائبون.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.