قيمة اجتماعيّة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

ناصر علي – خاص الناشر |


لغةٌ جديدةٌ قد تُضاف إلى عالم اللّغات اليوم، معجمها مصطلحاتٌ لا تتحقّق واقعاً وإذا سألنا عن التّرجمة العمليّة فإنّ الخيال أقرب التّفاسير المطلوبة.
إنّها لغة الحريّة، لغةٌ يطلبها كلّ بشريّ يؤمن بالإنسانيّة، لكن عندما نبحث عن مصاديقها فلربّما يجب أن نتخيّل أنّ كوكباً جديداً سيُضاف إلى المجموعة الشّمسيّة وقد يحتاج الأمر إلى ملايين السّنين الضّوئيّة كي نصل إلى ذلك الكوكب الّذي سيُطبّق عليه نظام الحريّة.
بعض كلماتٍ ملأت سطور هذه المقدّمة، لعلّ البعض يضحك أو قد يستهزئ آخرون، لكن جديرٌ بنا أن نشعر بالحزن والأسف لما نحن عليه اليوم في عصر التّحضّر وادعاء الرقيّ، من الذّلّة وانطماس الحريّات إلى حدّ الاختناق، سواء أكانت حريّة شخصيّة أم جماعيّة، وكلاهما مرتبط بالآخر، فإنّنا اليوم أشبه ما نكون في الطّرف النّقيض حيث لا حريّة ولا هويّة، ويسيطر الاستعباد الثّقافيّ بالدّرجة الأولى وتعمّ فوضى التّفلّت وشريعة الغاب أقرب تشبيه إذا أردنا التّوصيف.
في المشهد الأوّل إنسانٌ يتمتّع بنعمة العقل السّليم، يمارس ما يرقّيه في مراتب الإنسانيّة ويتجنّب أيّ انزلاقٍ في متاهة التّفرّد بتحصيل المنافع، إذ إنّه يحرِص على ما يُبقيه في قالب إنسانيّته الّتي تمنحه التّمتّع بكافّة المواهب والمهارات السّليمة والّتي تنمّي لديه الدّافعيّة الّتي هي أصل التّطوّر والإستمراريّة، ويتزامن ذلك مع سعيه لأجل تطويع المحيط (استثمار الموارد) واستجرار الخير والمصلحة الذّاتيّة والعامّة فيكون للطّبيعة حقّها المحفوظ ولأبناء جنسه قيمتهم وحقوقهم المصونة، وفي خلاصة القول هكذا تَعمُر البقاع ويكون هذا المخلوق المقدّس (أي الإنسان) حارس العالم اللّائق بخلافة الأرض.
هنا الحريّة، هنا يعرف المرء ما له وما عليه، هنا يلتذّ الإنسان بنشوة جمال الحقيقة ويتأصّل الحقّ والعدل، هذا هو عالم الإنسان ولا يغرّنا عنوان “المدينة الفاضلة” فالعقل لم يُخلَق إلّا مُفضّلاً، لذا من الممكن أن نسمع بعض الغمز من أنّ تحقّق هذه المدينة غير ممكن في عالمنا بحجّة المثاليّة المفرطة والّتي لا تُنال، بيد أنّ العلّة في عدم التحقّق هو الجنوح وقلّة العزم وترك الإرادة في مهبّ المطامع، فلا نحن البشر عزَمْنا على سلوك طريق تحقيق الحريّة والعدالة واقعاً، ولا نحن سلّمنا بالتّشريعات السّماويّة الّتي إن طُبّقت ستكون ضماناً أكيداً لحريّة البشر وسعادتهم.
وللمفارقة ننتقل إلى المشهد الآخر، حين نرى شكل الإنسان بمضمون الوحش المفترس، هنا لا مكان للعقل ولا رجاحة للقِيَم ولا قيمة للقانون والّذي يُمكن تطويعه في خدمة المصالح الذّاتيّة والأنا المتفرّدة، فتصبح الخيانة مكسباً والتّسلّط مباهاة والظّلم والتّحايل قوّة، ولكن العجَب الأكبرعندما يُقال بأنّ هذا المكان هو المجتمع أو الحياة، إذ كيف لمكانٍ يموت فيه الضّمير أن يُسمّى حياة!
هكذا تنقلب الموازين وتصبح الحريّة حُلماً لا يتحقّق، ومرارة الاعتراف باليأس سبيل المطالبين بأدنى حقوق العيش والكرامة. حينما تتملّك زمرة الشّرّ زمام القيادة وتتحكّم بالعقول وكأنّها آلات طوع أمرها، وتتسلّط على المقدّرات وكأنّها صاحبة المُلك، سوف يُسجن الإنسان في قفص وهمه وخوفه ويُذعن أمام طواغيت هذه الزّمرة، فلا هي بذات قوّةٍ لِتبقى ولا الإنسان بذي ضعفٍ لِينكفئ، كُلّ ما يحتاجه “كلمة” لا يزول صداها ولو زالت الجبال، هي كلمة سَتُغرِق الشّرّ وأتباعه، لكن هذه الكلمة يجب أن تخرج من قلب إنسانٍ حرٍّ.
هذه هي القيمة وهكذا يحيا الإنسان، وإلى أن يصدَح الحقّ نستكمل الكلام…

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد