تتزامن ذكرى آخر أيام حرب تمّوز مع حاضر دخول الحرب الاقتصادية أعتى مراحلها بعد رفع الدعم عن المحروقات، وكلّ ما سيترتّب عليه من غلاء في أسعار كلّ السلع الأساسية، غلاء يُضاف أصلًا إلى وصول هذه الأسعار إلى حدود فاحشة. ماذا بعد؟
إنّ بعد الصبر نصرًا. هي حقيقة مركزية في ثقافتنا المقاومة، حقيقة رأيناها بأمّ العين في تمّوز كمحطة مفصلية توجت الصبر والصمود بالانتصار العظيم.
وحين نردّد أن يقينًا كلّه خير فنحن نعني حتمًا ما نشعر به حيال الأحداث التي تزداد تأزّمًا بأمر عمليات أميركي.
لقد بلغ الحصار عبر أدواته المحلية مرحلة متقدّمة من الإرهاب المعيشي والاقتصادي. وإن كنّا أمام احتمالات متعدّدة وسيناريوهات مختلفة في كلّ تحليل يتناول المرحلة القادمة، فاليقين المقترن بالقراءة العلمية والموضوعية يقول إن الجهة الإرهابية التي تمارس هذه الارتكابات ضدّنا ولأسباب نعرفها جيّدًا قد بلغت حدّ اليأس واضطرت إلى الذهاب إلى خياراتها العدوانية القصوى، تمامًا كما يرتكب الصهيوني المجازر بالأطفال وبالعائلات حين يخسر في مواجهة عسكرية مباشرة.
لقد رفضت المنظومة الموكل إليها تفعيل آليات الحصار كلّ حلّ، مؤقّت أو جذري، يخفّف من معاناة الناس. وهذا دورها الطبيعي كأداة يستخدمها المحاصِر. فمعاناة الناس مطلوبة بل وضرورية في سبيل تحويل القهر إلى قنبلة داخلية تنفجر في وجه حزب الله. وما ترداد الاكاذيب التي تتمحور حول دور حزب الله في صناعة الأزمة إلّا اجراءات تمهيدية وتوجيهية لهذه القنبلة. بالمقابل، وبصبر استراتيجي، تعامل الحزب مع المرحلة بحكمة ورويّة، على سبيل التعاطي مع كلّ الملفات بشكل لا يصطدم بالصيغة اللبنانية ولا يمنح الأميركي وأدواته فرصة توريط الحزب وبنيته وأهله في أي معركة داخلية تعيق عمله ودوره العابر للحدود، وهنا بيت قصيد استهداف حزب الله وأهله.
أما بعد، فقد بلغ الإرهاب الاقتصادي حدًّا لا يمكن الاستهانة به. ومن المتوقّع أن تنعدم القدرة الشرائية لدى الكثير الكثير من الناس.
لا يستطيع أحد الجزم اليوم بما ينتظرنا في الغد أو بعده. إلّا أنّ ثمّة أمورًا لا يحتاج توقعها إلى تبصير أو رسم سيناريوهات مفترضة.
ما حصل فعليًا هو قرار اتخذه والي أميركا على لبنان رياض سلامة، بدعم محليّ متواطىء حكمًا مع الأميركيين. يقضي هذا القرار باعدام فعليّ لغالبية الناس وبمجزرة عابرة لكل الفئات التي كانت بالكاد تجد إلى قوت يومها سبيلًا. هذا الأمر وإن لم يكن مفاجئًا، فهو يُترجم كحركة يريد منها الأميركي اطلاق المقذوف الأخير بحوزته واشعال البلد، بمن فيه.
يقول أجدادنا إن الأزمة تنفرج حين تشتد. وإن لم تتوفر اليوم معطيات كافية أو نهائية حول الانفراج وشكله وآلياته، فلا شكّ بأن الحلّ الذي حاربه المتأمركون بات قريبًا بشكل دفعهم ودفع مشغّلهم إلى حدّ إصدار بيان ليليّ من مصرف لبنان يبشّر فيه اللبنانيين بالويل.
يقول الصابرون إن لنا رحمة الله ويقيننا بحزبه.
ويقول الخائفون إنّنا سنموت عطشًا وجوعًا.
ويقول الواهمون إن على حزب الله التخلي عن سلاحه كي يهطل علينا مطر المساعدات الدولية ونخرج من الأزمة.
ويقول العوكريون لا تراجع عن الحصار ولو كلّف الأمر ارتكاب مجزرة حقيقية في كلّ البلد.
ويقول ثورجيو شينكر إن افتعال الصدامات في الشارع سيؤدي إلى تحقيق ما تتمناه أميركا وسينهي حربها علينا.
لا تصدّقوا إلا الصابرين؛ فالصبر في تاريخنا اقترن بالنصر، مهما كانت آلية هذا النصر، هو آتٍ لا محالة، والرابع عشر من آب يشهد كيف تتحقق الانتصارات.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.