منذ ظهيرة يوم الجمعة 11-08-2006 بدأ الوضع على محاور المقاومة جميعها في القطاعين الشرقي والغربي يتحول إلى كتلة لهب ودويّ من شتى الأعيرة؛ كان الصهيوني قد أطلق أكبر عملية اجتياح بري منذ العام 1986.
ليلًا ظهرت أولى البشائر؛ فعند الساعة العاشرة وثلاث دقائق ليلًا أسقطت طائرة نقل مروحي من نوع يسعور فوق مريمين وكانت واحدة من عشر طائرات نقل مروحي مرت قبل حوالي النصف ساعة من جهة الغرب باتجاه حاريص وحداثا، وعند العودة أُسقطت طائرة القيادة.
حتى الساعة العاشرة والنصف ليلًا أي بعد نصف ساعة من إسقاط اليسعور لم يكن ثمة ردة فعل من العدو الذي بدا مربكًا، ولم يكن يسمع في المحيط إلا صوت الاشتباكات في أكثر من 7 إلى 8 مناطق، أصوات فرقعة طلقات الـ بي كا سي، رمايات كلاشينكوف وإم 16، انفجار مقنبلات وقنابل وعبوات فردية وكبيرة.
فجأة اشتعلت جهنم، وبين الساعة العاشرة و35 دقيقة من ليل الجمعة والساعة 12:00 من ظهر السبت 12-08-2006 أحصى جواد 42 غارة ومئات القذائف الثقيلة في محيط سقوط اليسعور، ثم توقف عن الإحصاء؛ فقد أصبح العدو أولى بالإحصاء وهو يستعد لدفع فاتورة دموية ثانية في دبل حيث تعرضت سرية كاملة من المظليين كانت تختبئ في أحد المنازل لشبه إبادة. وبعد ساعتين تلقى العدو صفعة أخرى عند بركة دبل، وتتالت الصفعات، وكان اليوم الأكثر إيلامًا للعدو، واستمر هذا اليوم 48 ساعة وليس كما هو متعارف عليه في القياس الزمني 24 ساعة.
ليلة يوم الانتصار (الأحد – الإثنين) تحول العدو إلى كرة قدم يتقاذفها الشباب ببنادقهم وصواريخهم وعبواتهم، وبزغ صباح الانتصار.
كان جواد ما زال متوقفًا عن العد. نظر إلى ساعته؛ كانت تقترب من السابعة صباحًا. وما أن ثبتت العقارب على السابعة والربع حتى سمع نداء الانتصار من جهازه اللاسلكي اليدوي: “بيان من غرفة عمليات المقاومة الإسلامية، يرجى من جميع مجاهدي المقاومة الإسلامية قطع الاشتباك مع العدو وعدم إطلاق النار ابتداءً من الساعة السابعة والنصف صباحًا إلا بإذن من القيادة”.
أبلغ جواد القرار إلى الأخوة في مجموعته الذين كانوا بين نائم ومتناوم ومتيقظ بخوذة الرأس والدرع والتجهيز الفردي الكامل. استغرب المقاومون، لأن موعد وقف العمليات كان مقررا عند الساعة الثامنة صباحًا.
لم تكد تمر ثلاث دقائق إلا وعاد النداء من القيادة: “بيان من غرفة عمليات المقاومة الإسلامية، يطلب من جميع الأخوة قطع الاشتباك مع العدو والتوقف فورًا عن إطلاق النار وعدم الاشتباك إلا بإذن من القيادة”. ابتسم جواد لهذه العجلة والسرعة بقطع الاشتباك وما زال أكثر من عشر دقائق للموعد الرسمي لتوقف العمليات حسبما أبلغت القيادة في النداء الأول.
مر أقل من دقيقتين وبدأت أصوات الرصاص والاشتباكات تتلاشى وتوقفت بشكل كلي، وكأن أحدهم ضغط على زر فتوقف كل شيء.
بكى جواد المبتسم وقال لعلاء أحد أفراد مجموعته: “سبحان الله. انظر يا علاء ما أعظم هذه المقاومة. ما حصل الآن سيرعب العدو حتمًا”. تساءل علاء: “ولماذا؟” فأجابه جواد: “لقد أثبتت قيادة المقاومة سلامة وقوة وفاعلية منظومة القيادة والسيطرة لديها بهذين النداءين اللذين لم تقطع بينهما سوى مدة 3 دقائق، النداء الأول يطلب التوقف الساعة السابعة والنصف والنداء الثاني الساعة السابعة و18 دقيقة يطلب التوقف فورًا، وتتوقف كل الجبهة دفعة واحدة من أكبر تشكيل وحتى آخر مجموعة”.
نعم إن لله رجالًا إذا أرادوا أراد، فتحية لمن سبحوا في لجج الجمر، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلًا.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.