كل الجهات الحزبية في لبنان بدأت مبكرةً بالاستعداد للانتخابات النيابية المقبلة، ومنها من اتكل على تحركات واستراتيجيات السفارات، وبالتحديد السفارة الأميركية والفرنسية وعلى تمويل السفارة السعودية، وقسم من الأحزاب مثل حزب الله وحركة أمل والتيار العوني يخوضون هذه الانتخابات باللحم الحي، ومن خلال قراءات واقعية، وميدانية خاصة عند الثنائي، بينما التيار حتى الآن يتصرف كما لو أن المعركة بعيدة، وشبه ضامن للنتائج، والتي يعتقد بأنها ستصب لصالحه، وهذا خطأ في ظل معيشة شبه كارثية، وهذه ستوقعه بالصعوبة.
منذ أكثر من سبعين سنة لم تستطع الأحزاب وبالتحديد العلمانية منها أن تجد حالة ثابتة داخل المجتمع المسيحي، والذي اغرق بأحزابه الطائفية المتعصبة والعنصرية رغم خروج أفراد من النسيج المسيحي طالبوا بالعلمانية، ووضعوا أسسًا لتلك الأحزاب على مستوى الوطن، لكنهم لم يتمرسوا كقاعدة كما هو الحال في المجتمعات الإسلامية اللبنانية (تجربة القوميين والشيوعيين والبعث…) وتمترسوا كضيوف ليس أكثر. وبقيت الحالة الحزبية المسيحية عصية على الأفكار الوطنية المشرقية العربية، وانفتاحها على العروبة جاء من خلال الأموال الخليجية دون العمق الوجودي، بل عبر فلسفة اقتصادية ترفيهية دنيوية. والحالة العونية حاولت في بداياتها أن تخوض هذه المعركة لكنها كانت حذرة جداً، وأحياناً ولأسباب طائفية أوقعت خطابها في الوحل المسيحي اللبناني.
الواقع الانتخابي الشيعي كنا قد أشرنا إليه في مقالة سابقة، وربما تشوبه بعض الهزات، لكنها ليست مؤثرة، وستبقى في صلب بيئة المقاومة. والخرق في الحالة السنية مهما كان سيصب لمصلحة المقاومة، وبوصلته ما يحدث في فلسطين مهما حاول الإعلام السعودي الاماراتي اللعب ضد هذه الواقعية. والدرزية تداركها زعيمها الأول وليد جنبلاط، واجتمع مع طلال أرسلان ووئام وهاب من أجل إبعادها عن التأرجحات التي قد تصيبها جراء التناحر الانتخابي عند الآخرين. صحيح هي غير مؤثرة في المرحلة، ولكن الثنائي الوطني (الحركة والحزب) يصران على أن تكون بيضة الوصل، بينما المعركة الأساسية ستكون في الساحة المسيحية.
الساحة المسيحية تمتلك النسبة الأكبر من كتلة الاختيار الرمادي، وهي قد تعادل اليوم أكثر من 40%. والصراع الحالي بين جبران باسيل وسمير جعجع على هذه الكتلة الرمادية غير المحزبة، وغير المؤدلجة، وغير المؤطرة، والتي جعلها الواقع المعيشي الحالي أكثر نفوراً من الجميع. وعلينا أن نعترف بأن سمير جعجع أخذ هذه الكتلة الرمادية في الانتخابات السابقة. واليوم بعد الصراع العنيف بين العونية والحريرية قد تؤيد هذه الكتلة عاطفياً التيار، وما على التيار إلا النزول إلى أرض الواقع، والانفتاح بمسؤولية على الكتلة المسيحية الرمادية، والمنتشرة بتزايد، ولو قدر لها الآن لهاجرت نهائياً من لبنان.
السفارة الأميركية متفهمة بتشنج حال ودور الكتلة الرمادية، لذلك حينما زارت السفيرة الأميركية السعودية مؤخراً طالبتها بدعم كل مشاريع حركات ( NGOs ) مادياً وإعلامياً وبالتحديد انتخابياً؛ فالسفارة قررت إنزال هذه الزمر إلى الميدان المسيحي، ورعايتها كبديل عن الحالة العونية، وضد جبران باسيل مباشرة، ومن ثم الحالة الكتائبية، والتي تعتبرها لم تعد مؤثرة مسيحياً وفي السياسة اللبنانية.
لا خلاف على أن رئيس التيار البرتقالي جبران باسيل سيسعى إلى المجابهة، وبشراسته المعهودة، وهو سيجد نفسه داخل معركة مخيفة تنال منه، لذلك قد يعاود لملمة أوراقه لكونه العالم بواقعية أن الطوائف الإسلامية جاهزة نوعاً ما لخوض الأمور حيث الشيعة تراقب بحذر، ولا انشقاقات تخيفها، والدروز كذلك، والسنة لديها أكثر من زعيم، بينما في الطائفة المسيحية لا تنتهي الخلافات بضربة كف، بل بالدماء فيما بين فريقيها. من هنا سينطلق باسيل انتخابياً من هذه البنود:
1- شد العصب المسيحي.
2 – دفاعه المميت عن صلاحيات رئاسة الجمهورية.
3 – دفاعه المستمر عن حقوق الطائفة كنغمة لا تعرف الافول.
4 – الدفاع عن الجيش اللبناني .
5 – وعنوان حملته الكبير محاربة الفساد.
وأنصحه بعدم اللعب على الوتيرة الطائفية، وتحديداً حول الطائفة الشيعية حتى يضمنها انتخابياً، فالحالة الانتخابية الحالية تختلف عن سابقاتها.
من جهة الحليف فالتيار يأتمنه، والحزب بالنسبة للعونيين مهما اختلفا في اللعبة السياسة الداخلية هو صخرة صلبة تحميه من أنواع الطبيعة والبشر الحاقدين، والتحالف لا يلغي الشخصية التاريخية عند الفريقين، والحزب أخذ من العونيين ما لم يأخذه من المقربين، والتيار أخذ من الحزب ما لم يستطع أخذه وحده، ويكفيه أن الحزب لا يسمح بالتفرد به. والعونية للحزب صخرة تحميه من الاستفراد، ونافذة غربية صادقة مشرقياً. من هنا خيار حزب الله للمرحلة المقبلة حسم موضوع التحالف مع التيار والعونية لآن خسارة عون يعني البديل جعجع والسفارة الأميركية، ومن البديهي أن تكون توصيات السيد، والشورى، وكل قيادات الحزب الدعم الكلي بالانتخابات المقبلة للتيار البرتقالي بما في ذلك في جبيل وجزين، وإزالة شوائب حساسة بين حركة أمل والتيار، وإن لم يكن في كل المناطق، قد ينجح الحزب بازالتها في بعض المناطق، والسبب جداً واضح، وهو أن نجاح التيار والحالة العونية في هذه الانتخابات ضرورة للوجود السياسي في البلد، أي إن معركة حزب الله وحركة أمل والتيار العوني معركة انتخابية وجودية ضد السفارات.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.