علماءٌ أم عملاء؟ قصة وجوهٍ مقنعة

13

في زمنٍ أصبحت فيه حروب النفوذ أذكى من حروب السلاح، لم تعد الأساليب التقليدية وحدها كافية لتحقيق التأثير؛ بل برزت قدرة أجهزة استخبارية وكيانات خارجية على توظيف أدوات ثقافية وإعلامية لتعطيل المجتمعات وتشويه المشهد العام عبر ما يمكن تسميته «حروب الإقصاء والتعيين» داخل الفضاء العام. الفكرة الأساسية بسيطة وخطيرة في آنٍ معًا: تجهيز عناصر متحفّظة على بيئة الوطن المستهدف -من خلال تعليمٍ ثقافي ولغوي وديني ممنهج- (جامعة إسلامية في تل أبيب) ثم استخدامهم كواجهات فكرية وإعلامية ومؤسسية لإدارة ملفات تفرقة ونزع ثقة وإعادة تشكيل أولويات المجتمعات.

العملية لا تبدأ بتجنيدٍ عنيف، بل بتأسيسٍ طويل الأمد: مؤسسات تعليمية أو مراكز بحثية تبدو بمظهر علمي ومحايد، برامج تبادل ثقافي، ومنح دراسية تُغدق على من يُحتمل أن يصبح صوتًا مؤثرًا في مجتمعه. داخل هذه الدوائر يُمنح المتدربون معرفة دقيقة باللهجات، بالعادات، بسياقات الخلافات المحلية، وبطرق بناء الثقة الرمزية مع الجماهير. ثم تُرسل هذه العناصر إلى ساحات حساسة كالقنوات الإعلامية، المساجد، المدارس، وحتى المنابر الاجتماعية لتشكيل سرديات تجتزئ الوقائع، تضخّم الانقسامات، أو تُقوّض ثقة الناس بمؤسساتهم الوطنية. ومن بين هؤلاء خريجون يتقمّصون أدوار رجال دين -شيوخًا وأئمة ودعاة وقضاة- ويُرسَلون بأسماء جديدة وهوياتٍ متغيرة ليظهروا كوجوه دينية محلية بينما هم يعملون كواجهات لتوجيه السرد ولبثّ الفتنة.

هذه الآليات تختلف عن الحملات الدعائية السافرة؛ فهي أكثر فاعلية لأنها تعمل من الداخل، تُولّد «حسًا دينيًا أو ثقافيًا» يبدو أصيلاً، وفي مرات كثيرة يصدّقه الجمهور لأنه يلتقي مع موروثاتٍ لغوية وشعورية حقيقية. التاريخ يزخر بحالات اندماج استخباراتي أو استعماري استُخدمت فيها المعرفة الثقافية كأداة نفوذ، والدرس أن العلم والثقافة يمكن أن يتحولا إلى غطاءٍ لعمليات استراتيجية لا علاقة لها بخدمة المجتمع.

في النهاية، أخطر الأعداء اليوم هم من يتسللون إلى العقول متخفّين بالعلم والدين. الوعي هو خط الدفاع الأخير، ومن يفقده يفتح الباب أمام نفوذ يغيّر هويتنا من الداخل.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.