ريما فارس | خاص العهد
لم يكن المجلس العاشورائي المركزي هذا العام مجرد مجلس عزاء، بل محطة وعيٍ وموقف، ارتفعت فيه الكلمة لتكون سلاحًا إلى جانب البندقية. في مجمع سيد الشهداء (ع)، وقف الشيخ نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله، ليقول ما لا يجرؤ كثيرون على قوله: “نحن ننتصر حين ننتصر، وننتصر حين نستشهد”.
ليست هذه مجرد عبارة تُقال لجمهورٍ اعتاد الصبر والتضحية، بل عقيدة تُختصر بسؤالٍ حاد: هل تقاتل من أجل الحق، أم تقبل الذل؟ في هذا الطريق، لا يوجد وسط، ولا حياد، ولا مساومة، إما أن تكون حرًّا، أو لا تكون.
وهذه الوقفة لا تقتصر على الرجال فقط، بل النساء والأطفال شركاء أيضًا في هذا الخيار المصيري. فالقضية لا تعرف أعمارًا، بل تعرف القلوب الموصولة بالله، والعقول الواعية لطريق الحسين (ع).
لهذا أطلق حزب الله شعار “إنا على العهد”، لا كشعار لحظي، بل كوريثٍ لصوت الشهداء. نحن نكمل حيث توقفوا، نعيش كما عاشوا، ونموت كما ماتوا: أحرارًا، موحّدين، واثقين بأنّنا مع الله، والله معنا.
ولا يُخطئنّ أحد في فهم المعادلة. المعركة ليست معركة “فقر مقابل ثراء”، بل عقيدة مقابل خواء. العدو يملك السلاح، لكن لا يملك الروح. نحن قد لا نملك ما يملكون، لكن لدينا ما لا يُشترى: الإيمان، واليقين، والحق.
النصر لا يأتي من كثرة الطائرات، بل من صدق النيّة. من يصرخ “يا حسين” في وجه الدبابات، لا يُقاس بميزان أرضي، بل يُكتب اسمه في لوح السماء.
ألم تثبت لنا غزة هذه الحقيقة؟
غزة اليوم ليست مجرد مدينة، بل عقيدة تمشي على الركام. سُوّيت أحياؤها بالأرض، حوصرت، قُطّعت، لكن رايتها لم تسقط.
حماس لم تنتهِ، لأنها لا تقاتل من أجل منصب، بل من أجل وعد، من أجل عقيدة، من أجل فلسطين. في غزة كما في الجنوب، ثبتت القاعدة: العقيدة تهزم الإمكانيات.
حين تحدّث الشيخ قاسم عن أولئك الذين قاتلوا في معركة “أولي البأس”، لم يكن يرثيهم، بل يُعلن سرّهم. واجهوا سبعين ألفًا ومعهم كل أدوات الحرب، وانتصروا، لأنهم أحسنوا الاستعداد، وربطوا حركتهم بالله.
أما مساندة حزب الله لغزة، فليست “جميلة”، بل واجب شرعي وأخلاقي وسياسي. ومن يعطِ الدم من أجل القضية، يُحمّلنا مسؤولية أن نكون بمستواه. الشهداء أعطونا القوة، والجرحى أعطونا واجب الاستمرار.
واليوم، وبعد أن أوجعت ضربات المقاومة العدو، جاء وقف إطلاق النار. لكنه ليس نهاية شيء، بل بداية مرحلة جديدة: مسؤولية الدولة.
هل يُعقل أن يُطالب حزب الله بإلقاء سلاحه بينما العدو لا يلتزم بشيء؟ هل نُلغي عناصر القوة بأيدينا؟ وهل نظل ساكتين إلى أبد الآبدين؟ الجواب واضح: “جربتمونا. نحن جماعة هيهات منّا الذلة”.
الكرامة ليست وجهة نظر. العزة ليست خيارًا بين خيارات. هي قدرنا، وإيماننا، وسرّ انتصارنا. نربح في اليوم الأول، أو في الثاني، أو في الثالث. وإن لم نربح دنيويًا، فربْحنا محفوظ عند ربّ العالمين.
إننا لا نحيا على ذكرى الحسين فقط، بل نحيا بنهجه. وفي زمن الانكسارات، يكفي أن تقول “أنا مع الحسين”، حتى تُحسَب من المنتصرين.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.