الجعجعيون: كلام فارغ وخطاب كاذب!

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

في سياق الهجوم المتواصل على كلّ ما يمتّ إلى سيادة الأرض وكرامة الإنسان بصلة، تتصاعد اللهجة القواتية وتتعدّد وجوه القواتيين الظاهرين على الشاشات. موضوعهم القديم الجديد والوحيد والحصري هو المقاومة بكلّ أشكالها ومظاهرها، حتى يكاد المرء يسأل العارفين: تُرى بأي عمل كان سيتلّهى سمير جعجع عند خروجه من السجن لو لم يكن في لبنان مقاومة؟ مَن كان سيوظّفه لو لم تكن ثمّة حاجة ملحّة لاستهداف المقاومة والتصويب عليها وبشكل يوميّ؟ أغلب الظنّ كان سيجلس عاطلًا عن العمل وما كان سيحظى بفرصة جديدة يقتات فيها على طاولة التعرّض للأرض وللناس، أو حتى على الدّم إن سنحت لحظة مؤاتية. في المحصّلة، وبفضل وجود المقاومة وجد جعجع عملًا بعقد طويل الأمد، ووظّف بدوره فريقًا من الناطقين بلغته نفسها، وعلى المستوى نفسه.

في هذا الإطار، تختلف الوجوه والأصوات، والخطاب القواتي واحد، فلا فرق بين شارل جبور مخاطبًا يديه بلهجة مضحكة وغادة أيوب وهي تستشيط غضبًا، ما يجعل الموقف والكلام غير مفهومين، ولا فرق بين ابراهيم الصقر وهو تفوح منه رائحة المازوت المحتكَر وجورج عدوان مستذكرًا “أمجاد” حاجز البربارة. ولا فرق أيضًا بين الياس اسطفان وهو يحدّث بانفصال تام عن الواقع عن أن أكبر قاعدة شعبية في لبنان تعود للقوات وبين رازي الحاج وهو يبرّر بشكل صريح الاعتداءات والانتهاكات “الإسرائيلية” بأن المقاومة لا تلتزم القرار ١٧٠١، وهو هنا يُظهر شكلًا من أشكال الغيبوبة التامة عن بيانات الجيش اللبناني وحتى قوات اليونيفيل والانقطاع عن مصادر المعلومات المحلية والاقليمية والدولية والتي بأجمعها تقرّ بالتزام المقاومة بالقرار وبأن “إسرائيل” تنتهكه وتواصل العدوان.

في الواقع، لا أحد حول العالم ينطق بكلام يجافي الحقائق والوقائع بهذه الصلافة حول موضوع انتهاك ١٧٠١، سوى أفيخاي أدرعي والوجوه القواتية. وهنا تحضر عبارة “مش هينة تكون قوات”.. طبعًا، “مش هينة” أن تكذب علانية، وتتماهى كلاميًا مع خطاب العدوّ، وهو بالمناسبة أمر يحاسب عليه القانون اللبناني، إذ يقع في خانة التعاون مع العدو.

واقعًا، ‎يعتبر الكيان الإسرائيلي عدوًا للبنان، وتعتبر الدولة اللبنانية بقوانينها النافذة واتفاقية الهدنة والمواثيق العربية والدولية الملتزمة بها ومواقفها الدائمة في المنظّمات والهيئات الإقليمية والدولية وأمام مجلس الأمن الدولي أنّ جميع صور وأشكال التعاون مع العدوّ الإسرائيلي هي أعمال غير مشروعة وتستحقّ أشدّ العقوبات وفق أحكام قانون العقوبات العام والعسكري وقانون مقاطعة “إسرائيل”.

وبناء على ذلك، يمكن القول إنّ كافة القواتيين الظاهرين على الشاشات وعلى منصات التواصل هم في الواقع متهمون بالتعاون مع العدوّ حتى يثبت العكس، ولن يثبت. هل ورّط سمير جعجع شارعه، لنقل زقاقه، بهذا الجرم بقصد تحويله إلى أمر شائع، بحيث يصبح وزن الحديث التطبيعيّ والمتماهي تمامًا مع خطاب العدوّ ومفرداته هو رأي سياسيّ؟ أم شاءت الظروف أن يُوظّف في العمل السياسي مَن كلّ خبراته مع العدوّ هي خبرات قتالية جاءت في سياق تنفيذ مهمّات عسكرية في لبنان، ما جعله يُضطر إلى ممارسة هذه المهام نفسها ولكن بثوب سياسي كلاميّ؟

بكلّ الأحوال، سنفترض أنّ كلّ عامل في الشأن العام يختار معسكره، وسنسلّم جدلًا أنّ البعض وبغياب المحاسبة اختار صراحة المعسكر الأميركي الإسرائيلي، أليس من المنطق أن يكون هذا البعض صادقًا بالحدّ الأدنى في مقارباته الكلامية، بحيث لا يكذب كي يبرّر لإسرائيله، احترامًا لصورته الشخصية في عين الجمهور أقلّه. على سبيل المثال لا الحصر، فليقل رازي الحاج أو سواه ما يشاؤون ولكن، فليحفظوا في أقوالهم على الأقل ما يتفق عليه الجيش اللبناني ورئاسة الجمهورية وقوات الطوارئ الدولية والناطقون الأوروبيون والأميركيون حول التزام لبنان بالقرار ١٧٠١ وغيره، وإلّا فهم هنا ليسوا ملكيين أكثر من الملك فحسب، بأشد أشكال هذا النهج انحدارًا، وإنّما يكونون إمّا ببغاوات تكرّر قول ما لا تفقه معناه وما لا تتحرّى عنه رغم توافر ما ينفيه وينقضه، وإما كاذبون متعمّدون، وفي الحالين، هي جعجعة بلا طحين، وتلك عادة “القوات”والقواتيين، أو لنسمّهم الجعجعيين.

ختامًا، في اللغة، الجعجعة تعني الكلام الفارغ أو اللغط الكثير الذي لا يترتب عليه عمل أو نتيجة وتشير إلى صوت الطاحونة الحجرية الفارغة التي لا تطحن، أو إلى كلام كثير بلا فائدة أو نفع. وهنا، تتوضّح بشكل لا يحتمل لبسًا معنى أن تكون غادة أيوب أو شارل جبور أو جورج عدوان أو رازي الحاج مجرّد جعجعيين!

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد