الدولة العميقة في الولايات المتحدة والدور الإسرائيلي: تأثيرها على صناعة القرار والحرب في غزّة

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

د. أكرم شمص | خاص الناشر

أصبحت فكرة “الدولة العميقة” في الولايات المتحدة موضوعًا مركزيًا في التحليل السياسي في السنوات الأخيرة، حيث يُنظر إليها على أنها شبكة خفية تتجاوز السلطة الظاهرة للحكومة الأميركية. وقد برزت هذه الظاهرة بشكل أكبر مع الأحداث المتصاعدة في الشرق الأوسط، وخاصة الحرب الإسرائيلية على غزّة. ويعتقد العديد من المهتمين أن الدولة العميقة تلعب دورًا مهمًا في توجيه السياسات الأميركية والدولية. في هذا السياق، يبرز دور “إسرائيل”، خاصة في ظل قيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يسعى إلى جذب الولايات المتحدة إلى صراع أوسع قد يشمل إيران وتهديداتها النووية. يتزامن هذا مع ضعف أداء إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي تبدو واقعة تحت تأثير اللوبيات والدولة العميقة بدلًا من صنع قرارات سيادية. في هذا المقال، سنستكشف مفهوم الدولة العميقة وتأثيرها على السياسة الخارجية الأميركية، ودور “إسرائيل” في توجيه هذه السياسات، مع التركيز على الحرب في غزّة واستراتيجية نتنياهو تجاه إيران.

الدولة العميقة وتأثيرها على السياسة الخارجية الأميركية
يمكن تعريف “الدولة العميقة” بأنها مجموعة من العناصر الحكومية وغير الحكومية التي تشمل المسؤولين الحكوميين ووكالات الاستخبارات والكيانات الاقتصادية الكبرى والمصالح الخاصة، التي تعمل خلف الكواليس للتأثير على القرارات السياسية خارج الأطر الرسمية. تتميّز هذه الكيانات بقدرتها على استخدام قوتها السياسية والاقتصادية لضمان استمرار هيمنتها على السلطة، غالبًا دون مراعاة الإرادة الشعبية أو الرأي العام.

الدولة العميقة في الولايات المتحدة، والمعروفة أيضًا باسم “Deep State”، تشير إلى فكرة وجود شبكة غير مرئية من المسؤولين الحكوميين والبيروقراطيين، وأحيانًا تشمل عناصر من الجيش والاستخبارات، يعملون من وراء الكواليس للتأثير على السياسات الوطنية والسيطرة على مجرى الأحداث بعيدًا عن عين العامة والإدارة المنتخبة بشكل مباشر.

تتمتع الدولة العميقة في الولايات المتحدة بقدرة هائلة على توجيه السياسة الخارجية الأميركية من خلال اللوبيات القوية والتمويل السياسي. تتداخل مصالح هذه الكيانات مع مصالح الشركات الكبرى، مثل شركات الأسلحة والطاقة، التي تسعى لتحقيق أرباح ضخمة من خلال استمرار الحروب والصراعات العالمية. هذا التأثير يظهر بشكل واضح في السياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط، حيث يُعتبر الأمن القومي الأميركي في كثير من الأحيان مرادفًا لحماية مصالح “إسرائيل”.

ضعف أداء إدارة بايدن
منذ توليه الرئاسة، أظهر جو بايدن ومستشاروه ضعفًا في مواجهة الضغط المتزايد من قبل اللوبيات والدولة العميقة، مما أظهر عدم القدرة على اتّخاذ قرارات حاسمة تتعلق بالسياسة الخارجية. يتجلى هذا الضعف في جرأة نتنياهو في الحديث عن خديعة أوسلو و”زعل” بايدن ثمّ في استجابة الولايات المتحدة للحرب في غزّة، حيث تُظهر إدارة بايدن دعمًا غير مشروط لـ”إسرائيل” دون محاولة لوقف التصعيد أو دعم الجهود الدبلوماسية لتحقيق السلام.

استراتيجية نتنياهو في السياسة الأميركية
تُعتبر العلاقة بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” علاقة استراتيجية قائمة على المصالح المشتركة. تقدم الولايات المتحدة دعمًا عسكريًا واقتصاديًا هائلًا لـ”إسرائيل”، بينما تعمل الأخيرة على تعزيز المصالح الأميركية في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن هذه العلاقة تتجاوز الحدود الدبلوماسية التقليدية، حيث تلعب اللوبيات “الإسرائيلية” في الولايات المتحدة، مثل لجنة الشؤون العامة الأميركية “الإسرائيلية” (AIPAC)، دورًا حاسمًا في توجيه السياسات الأميركية نحو دعم “إسرائيل” حتّى في أوقات الصراع.

ترى “إسرائيل” أن امتلاكها للقوة العسكرية المتفوقة هو الوسيلة الوحيدة لضمان وجودها واستمرارها في المنطقة. الحفاظ على التفوق الاستراتيجي هو أولوية لـ”إسرائيل”، لذلك تعتبر أي محاولة من دول المنطقة لامتلاك أسلحة متقدمة تهديدًا مباشرًا لأمنها.

سعى رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو لاستغلال التأثير “الإسرائيلي” في الولايات المتحدة لجذبها إلى صراع أوسع مع إيران، حيث تعتبر “إسرائيل” البرنامج النووي الإيراني تهديدًا وجوديًا. يهدف نتنياهو إلى توجيه السياسات الأميركية نحو اتّخاذ موقف أكثر عدوانية تجاه إيران، والذي قد يشمل ضربات عسكرية تستهدف المفاعلات النووية الإيرانية.

إن الاستقبال الحافل الذي حظي به نتنياهو في الكونغرس الأميركي يُظهر مدى التأثير الإسرائيلي على السياسة الأميركية. في الوقت الذي تنتقد فيه الكثير من الدول الغربية سياسات “إسرائيل” تجاه الفلسطينيين، يستمر الكونغرس في دعمها بشكل شبه كامل، مما يبرز تأثير اللوبيات الإسرائيلية والدولة العميقة في تشكيل الرأي العام والسياسات الأميركية.

دور الولايات المتحدة في الحرب على غزّة وانعكاساتها
تواصل “إسرائيل” شن هجمات عسكرية مكثفة على غزّة، مستهدفة البنية التحتية والمناطق المدنية، مما أسفر عن سقوط آلاف الضحايا من المدنيين. تُبرر “إسرائيل” هذه الهجمات بأنها ضرورية لمكافحة الإرهاب وحماية أمنها القومي، لكن هذه السياسات تؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في المنطقة وإثارة الغضب الدولي.

تلعب الولايات المتحدة دورًا حيويًا في دعم العمليات الإسرائيلية في غزّة من خلال تقديم الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي. بالرغم من الضغوط الدولية لوقف إطلاق النار وتحقيق السلام، تواصل الإدارة الأميركية تقديم دعمها غير المشروط لـ”إسرائيل”. يعكس هذا الأمر تأثير الدولة العميقة واللوبيات على صنع القرار السياسي.

قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يوم الثلاثاء إنه “لا يجب على أحد تصعيد” الصراع في الشرق الأوسط، وإن واشنطن قد أبلغت هذه الرسالة بشكل مباشر إلى كلّ من إيران و”إسرائيل”. “لا يجب على أحد تصعيد هذا الصراع. لقد كنا منخرطين في دبلوماسية مكثفة مع الحلفاء والشركاء، وأبلغنا تلك الرسالة مباشرة إلى إيران. كما أبلغنا تلك الرسالة مباشرة إلى إسرائيل”، قال بلينكن خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ووزيرة الخارجية الأسترالية بيني وونغ ونائب رئيس الوزراء الأسترالي ووزير الدفاع ريتشارد مارلز في أنابوليس، ماريلاند.

تأثير الحرب على حقوق الإنسان والقيم الديمقراطية
تُظهر الحرب الإسرائيلية على غزّة تراجع القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في السياسة الخارجية الأميركية. بدلًا من دعم الجهود الدبلوماسية لحل الصراع وتعزيز حقوق الإنسان، تركز السياسة الأميركية على دعم العمليات العسكرية الإسرائيلية، مما يثير تساؤلات حول مصداقية الولايات المتحدة كداعم للديمقراطية وحقوق الإنسان.

التوقعات المستقبلية أمام ردود فعل إيران ومحور المقاومة
من المتوقع أن ترد إيران وحلفاؤها بقوة على العمليات الإسرائيلية، مما قد يؤدي إلى تصعيد أكبر في الصراع الإقليمي. تهدّد إيران بالانتقام من “إسرائيل” بعد اغتيال قادة حركة حماس وحزب الله في عمليات إسرائيلية، مما قد يثير حربًا إقليمية أوسع نطاقًا.

كذلك هدّد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله “إسرائيل” برد قاسٍ على اغتيال أحد قادته البارزين، فؤاد شكر، مما يزيد من احتمالية تصعيد الصراع في المنطقة. ويعد حزب الله واحدًا من أقوى اللاعبين في المنطقة، وقدرته على تنفيذ عمليات عسكرية كبيرة يمكن أن تشكّل تهديدًا حقيقيًا لـ”إسرائيل” وحلفائها.

التوتر في الشرق الأوسط والترقب للردود

  1. الخوف من الانتقام: يفسر سلوك نتنياهو في الأيام الأخيرة سلوكه خلال الأشهر العشرة الماضية. لم يكن وقف إطلاق النار خيارًا بالنسبة له حتّى لو كان مصحوبًا بإطلاق سراح الرهائن. وهو يعتقد أن الضربات القوية لحماس وغزّة كانت أهدافًا استراتيجية أكثر أهمية من الاحتفال بعودة الرهائن. يعتقد البعض أنه يحلم بإلحاق نفس الخسائر بحزب الله كما ألحق بحماس على الرغم من الاختلافات في قدراتهما وساحة المواجهة. هذا يفسر أيضًا لماذا كانت إدارة بايدن غير قادرة على استخراج موقف إسرائيلي من شأنه أن يساعد في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار.
  2. القلق من التصعيد: الشرق الأوسط ينتظر الانتقام بقلق. هناك خوف متزايد من أن الرد سيكون أكبر مما شهدته المنطقة في نيسان/إبريل. تُطرح أسئلة أيضًا حول حدود المواجهة الجديدة. ما هو الدور الذي ستلعبه الفصائل العراقية المؤيدة لإيران؟ ماذا عن الحوثيين والجبهة السورية؟ هل سيرد نتنياهو على الضربة الإيرانية بنقل المعركة إلى الساحة اللبنانية؟

الخاتمة
في ضوء ما سبق، يمكن القول إن الدولة العميقة تلعب دورًا حاسمًا في تشكيل السياسة الخارجية الأميركية، خاصة في ما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. إن تأثير اللوبيات والكيانات الاقتصادية الكبرى على صنع القرار في الولايات المتحدة يتجلى بشكل واضح في الحرب على غزّة ودعم “إسرائيل” غير المشروط. إن استمرار هذه السياسات يمكن أن يؤدي إلى تصعيد أكبر في المنطقة ويثير تساؤلات حول مصداقية القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان في السياسة الخارجية الأميركية. فالشرق الأوسط على صفيح ساخن حيث تبدو الحكومات في حيرة، والجيوش في ارتباك، والفصائل والقواعد الأميركية في حالة تأهب والسفن الحربية لا تنام.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد