لنا العزير | خاص الناشر
يقفز القاضي السابق في المحكمة العسكرية بيتر جرمانوس كلّ يوم، على منصّة X، بتغريدات تصلح لتكون لشبّيح لا لقاضٍ من المفترض أننا كلبنانيين كنا نعتمد في إدارة أمن البلاد على قراراته وأحكامه.
تدرّج جرمانوس لمدّة ستّة وعشرين عامًا في القضاء اللبناني إلى أن وصل مدعومًا في عهد الرئيس ميشال عون ليصبح مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية. إلى أن اتُّخذ بحقّه قرار تأديبي في جملة من القضاة، إلّا أن الرئيس عون حاول تأجيل القرار، ما أفسح المجال لجرمانوس بالالتفاف على القرار التأديبي وتقديم استقالته استباقيًا ليحفظ حقوقه المالية التقاعدية وينجيه ربّما من فتح ملفّات الفساد المتعلّقة بفترة حكمه، وصولًا إلى ملف انفجار مرفأ بيروت.
البعض يحيل استدارة جرمانوس وانقلابه وعداءه للتيار العوني وحزب الله، لكون التيار قد تخلّى عنه في أزمته، إلّا أن المتابع يرى أن استدارة جرمانوس كانت قبل ذلك وأثناء تواجده في وظيفته. فمن المعروف أنّه وبعد توقيف الجيش لـ 900 مُتّهم بالشغب في أحداث تشرين2017 والتي عُرفت بالثورة على الحكم، وما تبعها من محاولة مهاجمة القصر الرئاسي والمجلس النيابي، وما رافقها من تورّط البعض بأجندات خارجية لتقويض حكم الرئيس عون، والاعتداء على الجيش وإثارة الفتنة في المناطق، إلا أن جرمانوس قام بتبرئة الجميع واعتبر الأمر متعلّقا بالتعبير عن الحريات الشخصية متغاضيًا عن التّهم المتعلّقة بالتعامل والتخريب التي يعاقب عليها القانون المدني والعسكري على حدّ سواء.
هو نفسه الذي يعتبر الأمر حرية شخصية، كان قد صرّح للدايلي ستار اللبنانية، أنه معني فقط بتنفيذ المادّة لا بالتشريع أو مناقشة حقوق الإنسان، وذلك في ردّه على تبرئته الثانية المثيرة للجدل، لأربعة عناصر من الجيش اللبناني، كان قد رفع بحقهم وزير الدفاع إلياس أبو صعب كتابًا بتهمة الشذوذ الجنسي، فقام جرمانوس بتبرئتهم لاعتبار الأمر أيضًا يقع تحت الحرية الشخصية، مناقضًا ما قاله “أنا عبد المادّة القانونية” ولست مشرّعًا.
ولكن هذا التسامح، لم يمنع جرمانوس من مطالبته “بالخصي الكيميائي” لعصابة التيكتوكرز، التي اتهمت بالاتجار الأطفال لغايات تتعلق بالشذوذ، لاعتباره الأمر ممارسة خلاف الطبيعة ولكن بالإكراه، وغمز أيضًا من عهد الرئيس عون، بأن الأخير قد تاجر بعقوبة الإعدام واستبدلها بالعفو لصالح حلفائه، مما أدّى إلى فساد الأمن في البلاد. ولكن الغريب أن من يطالب بمثل هذه العقوبة، لم نذكر له مطالبة واحدة بالإعدام للمتعاملين مع العدوّ الإسرائيلي. لن نطيل البحث هنا، لأن كواليس السياسة في بلدنا قاتمة جدًّا، فهو إن كان قد أفسد بميلٍ هنا، إلّا أنه عارض ميل فاسد آخر هناك. ولكن لنكن واضحين، أنه كان من ضمن المخروط الكيفي في مطالعة الأحكام تمامًا كغيره ممن وصلوا بالمحسوبيات والتغطية السياسية.
ما قدّمت له، ليس بحثًا معمّقًا عن جرمانوس، إلّا أنه تعريف بسيط، لنحاول أن نفهم ما يقوم به جرمانوس حاليًّا على وسائل التواصل، فهو يتبنّى كمراهق، ما يقدّمه بلوغر هنا أو هناك، وعلى قاعدة الحرية الشخصية التي يتحدّث بها فهو حرّ في ما لو كان فردًا عاديًا، ولو كانت الموضوعات التي يتناولها لا تتناول أمن البلاد وسمعة الآخرين والاعتداء على الآخرين من خلال موضوعات حسّاسة جدًّا حيث يتقاطع مع العدوّ في حملة التهويل على الشعب اللبناني، ويتبنى منطق إثارة الحرب الأهلية الداخلية بوجه المقاومة اللبنانية، في فترة يعاني لبنان من الاعتداء “الإسرائيلي” والتهديد الأميركي كلّ يوم. ألا يُعتبر استغلاله اسمه وتصريحاته هذه المترافقة مع الاعتداء “الإسرائيلي”، اعتداء على أبناء وطنه بالإكراه، وبالتالي ينفذ العقوبة التي طالب بها هو نفسه؟
في آخر منشوراته، يتبنى جرمانوس تصريحًا لبلوغر مصري لم يذكر اسمه، وهذا يعني تبنيًا كاملًا لما قاله الناشر، وكلّ مطّلع على الخطاب الإعلامي، يعرف تمامًا الغاية من الإعلام العربي المهاجم للمقاومة اليوم، والذي لا يختلف كثيرًا مع سياق منشورات جرمانوس، ألا وهو تخوين المقاومة وتعويم المواقف العربية المتخاذلة.
قد نقبل مثل هذا الفعل من مراهق، أو إعلامي مأجور مثلًا، أو حلّاق التيكتوكر الذي تربطه علاقة بالإمارات، ولكن أن يكون الناشر قاضيًا عسكريًّا عاش اللبنانيون لمدّة ستّة وعشرين عامًا أثر أحكامه عليهم، فهذا مما لا يُقبل لا بمفهوم العدل ولا مفهوم الإصلاح.
كيف لقاضٍ أن ينشر مثلًا صورة مزيّفة للشهيد فؤاد شكر، مخبرًا بـ” مقتل قائد عسكري ممانع” معتمدًا على التصريحات الأجنبية، وقبل يوم كامل من تأكيد الخبر، وما كان ذلك إلا مساندة للقاتل أو سبقًا إعلاميًّا يعتمده عادة المتسلّقون من الإعلاميين، أو من له غاية في نفسه غلبت نشوتها منطقه.
والأدهى، أنه بلغ فيه الاستخفاف بالناس، أنه وبعد أن نُشرت الصورة الصحيحة لم يكلّف القاضي نفسه بتصحيح منشوره، فمن سيحاكمه؟ وإلى أي عدالة سيُعرض؟ ومن سيقاضيه على معلومات خاطئة أو ترويج يضرّ بالأمن القومي والوطني؟ القانون يجرّم ولكن من سينفذ بحقّه القانون؟
هي ليست المرّة الأولى التي يعتمد فيها جرمانوس على الأخبار السطحية والخاطئة ويتهافت إلى تبني السبق والشهرة، فقد سبق له أن نشر في فترة الكورونا، أن سبب هذا المرض (الكورونا) هو علاقة جنسية بين الصينيين والخفافيش بسبب نقص عدد النساء في الصين، أجل في الصين، ثمّ عاد ومحا منشوره بعد أن تبيّن أنه ضحية نقل عن موقع ساخر، وما من حسيب أو رقيب لاعتباره صاحب موقع مسؤول.
ولكن المرّة الثانية التي محا تغريدته فيها، كانت في إطار الردح المتبادل بينه وبين الإعلامي مارسيل غانم، حيث علّل هجوم غانم عليه، لكون الأخير قد تحرّش به قبل عشرين عامًا، وهو صدّه كما يجب. وقام جرمانوس بمحو التغريدة بناء على طلب نقيب المحامين ملحم خلف.
إذًا هو يتراجع عن الخطأ فقط إن سبب له السخرية، ويتراجع عن الحق بناءً على المصالح، فأنّى لنا أن نمسك بأثواب عدله بين هذه وتلك؟! وكيف لمواطن لبناني أن يُستباح بمعلومات يُصدرها قاضٍ قانوني عسكري، وهو ممن يبني أحكامه تارة على معلومات ساخرة، وأخرى على ردح وابتزاز، وإذا ما أراد بثّ معلومات حقيقية يتخيّر ما ينسجم مع أمانٍ انعزالية تظهر بتحسّره على الوجود المسيحي في لبنان كـ” آخر جيب مسيحي في منطقة الشرق الأوسط”! أو ما يكفي لاعتبار طائفة كاملة متعاملة ضدّ الوطن، يقصد الشيعة. بل ويتخطّى هذا، وينتقل ليتّهم إيران باغتيال القائد هنيّة من خلال تبنّي رواية العدوّ أو تسريبات لا أصل قانوني لها.
وهنا أسأل: هل كان جرمانوس قاضيًا للبنان أم عليه؟ هل كان لكل اللبنانيين أم كان فئويًّا يتحسّر على طائفة ويحرّض على طائفة؟ ألم يكن من قوانين القضاء والجيش في لبنان، واللذين جمع جرمانوس طرفي مجدهما، المعاقبة على الكلام الطائفي؟ ألا يُجرّد من حقوقه العسكرية والقضائية القاضي أو العسكري الذي يصرّح بتصريح طائفي أو حزبي؟
من يطالع صفحة القاضي بيتر جرمانوس، لا يمكنه إلّا أن يرى ظلّ اليمين المنعزل الذي لطالما اعتبر لبنان محمية لا تعايش فيها بين أبنائه، ولكن يمكنها مدّ يد السلام لـ”إسرائيل”. كما لا يمكنك إلا أن ترى في تصريحاته الإعلامية شخصية أكثر ما يمكن أن تكون عنصرًا ميليشياويًا طائفيًا لديه شراهة قتل أبناء بلده، يهدّد بالحرب الأهلية مرّة ويتغنّى بسلاح ميليشيا طائفية بوجه المقاومة اللبنانية مرة أخرى.
لم أكن لأتأثّر كفرد لبناني لو أن هذه التصريحات كانت لثورجي أو حتّى لإعلامي، ولكن خطورة هذه المواقف والتصريحات أنها لشخصية كانت يدُها مسلّطة على أعناقنا لثلاثة عقود، وفي أكثر الأماكن حساسية، حيث منها ينطلق أمن البلاد ومنها تُباع الأوطان. فكم من الأحكام التي طالت هذه البلاد كانت على شاكلة ميول انعزالية طائفية، وكم منها كان مبنيًّا على أحقاد عدائية للآخر، ولا يمكنك أن تجد فيها مستوى أول من ركائز القضاء، سواء من حيث الحكمة والدليل أو العدل.
عادة ما يكون القاضي ميزانًا إلّا أن ما نراه في هذه التصريحات، يبدو أنّه مجرّد ” طبشة” تُدار بها المصالح من كفّة إلى كفّة حسب أرجحية المصلحة بين المستورد والمصدّر، الداخل والخارج.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.