يبدو أن تعاون برامج الذكاء الاصطناعي مع العدوّ الإسرائيلي في العديد من المجالات العسكرية والاستخبارتية لم يعد اليوم أمرًا سريًا أو غامضًا، وحرب العدو المستمرة هذه على قطاع غزّة لم تشهد سوى المزيد من الوحشية والإجرام عبر استخدام وسائل وأدوات قتلٍ وحصارٍ أكثر تماشيًا مع العصر الحديث.
آخر تجارب الذكاء الاصطناعي التي استخدمتها “إسرائيل” هدفت للتعرف على وجوه الأشخاص من أجل تحديد هويتهم أو التنبؤ بما إذا كانوا من الفصائل الفلسطينية أم لا، وهو الأمر الذي كان رئيس علوم البيانات والذكاء الاصطناعي في الوحدة 8200 (وكالة الاستخبارات الإلكترونية الإسرائيلية) – الذي يُدعى فقط باسم “العقيد يوآف” – قد صرح عنه خلال مؤتمر الذكاء الاصطناعي في جامعة “تل أبيب” في شباط فبراير من العام الماضي.
“يوآف” قدم خلال المؤتمر نظرة حول كيفية استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي المبهمة من قبل الهيئات العسكرية والاستخباراتية السرية، كما أوضح أنه عند استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بما إذا كان شخص ما “إرهابيًّا”، فإن الوحدة 8200 تأخذ المعلومات المتوفرة لديها عن الأشخاص الذين تعتقد أنهم أعضاء في “جماعات إرهابية” وتهدف إلى العثور على بقية المجموعة.
وفي السياق، تجدر الإشارة إلى أن المرة الأولى التي ألمحت فيها “إسرائيل” لاستخدام الذكاء الاصطناعي في حربها على غزّة، كانت في كانون الثاني يناير الماضي، حين أكد المتحدث باسم الجيش، دانيال هاغاري، أن القوات الإسرائيلية تعمل فوق الأرض وتحتها، بينما أوضح مسؤول عسكري أن هذه التقنية تستخدم لإسقاط المسيرات الفلسطينية، كما تستعمل لرسم تصور أو خريطة للأنفاق التي حفرتها حماس تحت الأرض.
ووفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز”، نقلًا عن أحد ضباط جيش العدو، فإن تقنية التعرف على الوجوه كانت تخطئ في العديد من الأحيان، عبر تصنيف مدنيين على أنهم من مقاتلي حماس، وقال آخرون إن هذا البرنامج يعتمد على تكنولوجيا من شركة “كورسايت” الإسرائيلية الخاصة، وإن أفرادًا من الوحدة 8200 اكتشفوا أن تقنية “كورسايت” تواجه مشكلات، إذ لم تعمل بشكل صحيح عندما حاول جيش الاحتلال التعرف على جثث “الإسرائيلين” الذين قتلوا في السابع من تشرين الأول أكتوبر الماضي.
ولدعم تقنية “كورسايت” استخدم ضباط جيش العدوّ صورًا من “جوجل”، عبر الاستفادة من قدرتها على مطابقة الوجوه والتعرف على الأشخاص حتّى مع ظهور جزء بسيط من الوجه، بينما صرح المتحدث باسم “جوجل” أن “الصور هي منتج استهلاكي لا يوفر هويات لأشخاص غير معروفين فيها”، مع العلم أن “جوجل” قد أعلنت مؤخرًا عن تخصيصها مبلغ 4 ملايين دولار لدعم شركات إسرائيلية ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي.
وفي الإطار نفسه، يذكر أن شركة “جوجل” قد واجهت معارضة شديدة من قبل منظمة No Tech For Apartheid الأميركية بعد معارضة الأخيرة للصفقة التي فازت بها شركة جوجل عام 2021، لتزويد الحكومة الإسرائيلية بالذكاء الاصطناعي والخدمات السحابية، في مشروع Nimbus، الذي سيسهل على حكومة “إسرائيل” مراقبة الفلسطينيين.
وبحسب المنظمة، فإنها تسعى إلى مواجهة “شركات التكنولوجيا عديمة الضمير وترسانتها الرقمية الضخمة، والكشف عن دور التكنولوجيا في العدالة الجنائية وإنقاذ القوانين”، وفي بيان نشرته المنظمة عقب الحرب الإسرائيلية على غزّة، اعتبرت أن “جوجل” هي المستفيدة من الحرب، وأنها تساعد بشكل مباشر على الإبادة الجماعية في غزّة.
بات من الواضح إذًا أن حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزّة هي نتاج تضافر جهود جهات دولية عدة، في ميادين مختلفة وبصورة مباشرة وغير مباشرة، حيث سخرت الولايات المتحدة الأميركية ومعها الغرب كلّ الوسائل العسكرية والاستخبارتية والتكنولوجية لخدمة “إسرائيل” في تنفيذ حربها الوحشية، لتعود بذلك إعادة تعريف التكنولوجيا وتحديد أهداف وجودها التي بدت اليوم أقرب لمستنقع الإجرام والدم أكثر من أي وقت مضى، وأبعد ما يكون عن مفاهيم السلام والإنسانية والأخلاق.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.