بُني الكيان الغاصب في فلسطين ومنذ نشأته قبل 75 عامًا على قاعدة وحيدة وأساسية ألا وهي قتل كلّ من هو ليس صهيونيًّا. هذه العقيدة التلمودية التي ترتكز عليها فكرة قيامة الكيان واستمراريته جاءت مع بدايات قدوم قطعان المستوطنين في بدايات القرن الماضي آتين هربًا من القمع في البلدان التي كانوا فيها والتي نبذتهم وطردتهم منها لدورهم السيئ إبَّان الحرب العالمية الأولى والتي أدت إلى انهيار ألمانيا والإمبراطورية النمساوية والمجر ومملكة بلغاريا والدولة العثمانية ووقوع هزائم عسكرية وخسائر فادحة في الأرواح والاقتصاد والعمران وخسارة أراضي الدول المنهزمة ومستعمراتها في أوروبا وإفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ وفقًا لـ”اتفاقية فرساي – 1918م” والتي توزعتها دول الحلفاء المنتصرة على دول المحور المهزوم في ذلك الحين.
في طيَّات هذه الغنائم وتوزيعها دخل حيِّز التنفيذ “وعد بلفور” المشؤوم في “إقامة وطنٍ قوميٍّ لليهود” والذي كان قد أعلن في العام 1917م بين وزير خارجية بريطانيا “آرثر بلفور” و”اللورد ليونيل دي روتشيلد” أبرز وجوه الحركة الصهيونية العالمية في وقتها بعد وفاة مؤسسها “تيودور هرتزل” المعروف بالأب الروحي للدولة الصهيونية،هذا الوعد المشؤوم الذي على إثره تسارعت موجات اللجوء إلى فلسطين من شتات اليهود في العالم وفقًا لمخطّطات “الحركة الصهيونية” المذكورة آنذاك، حيث كان من نتائجه صراع دموي تاريخي بين العرب والمسلمين والصهاينة المحتلِّين حتّى يومنا الحاضر.
دموية مارسها الصهاينة بكلّ فجور وإجرام في قتل المدنيين الفلسطينيين العُزَّل في واحدة من أعتى الجرائم في التاريخ ارتكبت بحق شعبٍ بأكمله كمقدمة لترحيله عن أرضه وتهجيره واستقدام المستوطنين شذَّاذ الأفاق من شتّى أصقاع الأرض، مما يجعلنا نطرح سؤالًا وجيهًا حول سرّ هذا الميل المفرط للجريمة والقتل الجماعي واحتلال أرض الآخرين وانتهاك القيم الإنسانية والأخلاقية والنظرة الدونية نحو الآخر المغاير.
إنَّ نزعة الإرهاب والعدوان والعنف والقتل متأصِّلة جذورها تاريخيًا عند الصهاينة بل هي جزء أساس من تكوين الفكر الصهيوني وعقيدته والتي نجدها في نصوصٍ وتعاليم توراتية وتلمودية (العهد القديم والجديد) والتي أضفيت عليها القداسة والتحريم في حال مخالفتها والتي تقوم عليها ديانتهم “اليهودية”، وما زالت حتّى الآن أفكار “هرتزل” التي دونها أواخر القرن الثامن عشر في كتاباته ومؤلفاته تعبيرًا عن ثقافته العدائية والإجرامية والعنصرية سائدة في النظرة تجاه العرب والمسلمين وسار خلفها كافة القتلة والمجرمين من الزعامات التاريخية والحالية للكيان الغاصب.
مارست عصابات الصهاينة القتل والترويع بحق الفلسطينيين والعرب منذ قدومهم إلى فلسطين وبداية إنشائهم للمستوطنات على أراضي الغير إمَّا غصبًا أو طوعًا بتسهيل وحماية من دولة الانتداب في حينه “بريطانيا العظمى”. ويحدثنا التاريخ عن مجازر بشعة ارتكبت في القرى والبلدات الفلسطينية راح ضحيتها الآلاف من الناس رجالًا ونساءً وأطفالًا عزَّلًا من السلاح في إطار خطة مدروسة لزرع الرعب والخوف والذعر في قلوب السكان لترحيلهم وطردهم من بيوتهم وأراضيهم والتي ارتفعت وتيرتها مع حلول العام 1937م بعد أن قويت شوكتهم وكثُر عددُهم، ودوِّن في سجلهم الإجرامي عدد كبير من مجازر القتل الجماعي التي نفذتها عصابات شتيرن والأرغون والهاغاناه ولاحقًا ما أطلق عليه “الجيش الإسرائيلي”، وكانت أشهرها مجازر وقعت في حيفا والقدس وبلد الشيخ والطنطورة وقلقيلية ودير ياسين وأبو شوشة وقبيه. وتتابعت المجازر بعد إعلان “دولة الكيان” في العام 1948م في كفر قاسم وفي خان يونس خلال العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956م وتهجير سكان مدن بأكملها ومنها يافا وعكا وصفد وبيسان وطبريا وتدمير وحرق ما لا يقل عن 180 قرية وبلدة فلسطينية وطرد أهلها منها.
واستكملت المجازر والقتل الجماعي في كافة الحروب والاعتداءات التي شنها هذا الكيان الهجين على الدول العربية المحيطة من خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي في إطار عملية التوسّع واحتلال المزيد من الأراضي كمقدمة لقيام “إسرائيل الكبرى” فكانت مجزرة “بحر البقر” في مصر في العام 1970م وراح ضحيتها عشرات الأطفال في تدمير مدرستهم فوق رؤوسهم. ولم يكن لبنان بمنأى عن همجية الصهاينة وإجرامهم فكانت مجزرة “صلحا ” في العام 1948 ومجزرة “حولا الأولى” في العام 1949 و”حولا الثانية” في العام 1967 و”حانين” في ذات العام وبعدها “يارين” في العام 1974 و”عيترون” في العام 1975 و”بنت جبيل” في العام 1976 و”الخيام والأوزاعي وراشيا وكونين والعباسية” في العام 1978، مضافًا إليها واحدة من أكثر الجرائم دموية وعنصرية وساديَّة “مجزرة صبرا وشاتيلا” في العام 1982، وتتالت المجازر والجرائم من مجزرة “سحمر” في البقاع الغربي العام 1984 وتفجير “بئر العبد” ومجزرتي “الزرارية وحومين التحتا” في العام 1985 (نحن على بعد أيام من ذكراها) وبعدها في “جباع ودير الزهراني” العام 1994 و”النبطية الفوقا” العام 1996 ومجزرة “قانا الأولى” الشهيرة في العام 1996 خلال عملية “عناقيد الغضب” والمجزرة الثانية في “قانا” العام 2006.
ما تشهده اليوم فلسطين من تصاعدٍ في الهمجية الصهيونية والشهوة للقتل الجماعي والجنوح نحو الإجرام إنما هي أصيلةٌ في كينونة هذا الكيان وقواعد نشوئه وتشريعات التلمود (بنسختيه البابلية واليروشليمية) وما تحتويه من عنصرية وتحريض على قتل الآخرين وتشبيههم بالحيوانات ممن يسمّونهم “الأغيار” بدمٍ بارد دون شفقةٍ أو أي إحساسٍ بذنبٍ أو ملامة ولمجرد الشك بأنهم يضمرون العداء لليهود ولمخالفتهم الشريعة اليهودية، حتّى الأطفال لا يسلمون من القتل للاعتقاد بأنهم يشكلون خطرًا في المستقبل على كيانهم الهجين، ويمكن للقارئ وللمزيد من معرفة هذه الشرائع المحرِّضة على القتل والإجرام مراجعة كتاب “توراة الملك” ليقرأ فيه ما لا يتحمله عقل أو ضمير إنسان في قلبه شفقة أو إحساس تجاه أخيه الإنسان، حيث تكمن خطورة هذا الكتاب بما يتضمنه من انحطاط فكري وأخلاقي وإنساني وتحريض على قتل وإبادة الآخرين وتعتنق مفاهيمه ومحتوياته حتّى القداسة في أيامنا هذه مجاميع واسعة من مستوطني الكيان من المتطرّفين الصهاينة والمتدينين (الحريديم) المولغين بدم الأبرياء من الفلسطينيين في الضفّة الغربية وقطاع غزَّة.
هذه الإيديولوجيا البغيضة التي عجنت بها روح دولتهم المسخ في فلسطين بدءًا من المجازر التي نفذوها قديمًا والتي ذكرنا بعضها أعلاه وصولًا إلى مجزرة المسجد الأقصى في العام 1990 والحرم الإبراهيمي في العام 1994 ومخيم جنين في العام 2002 مرورًا بالاعتداءات المتكرّرة على قطاع غزّة وتدميره وقتل الناس فيه، وما العدوان القائم حاليًّا إلا حلقة من حلقات إجرام هذا الكيان الغاصب والذي ارتكب ويرتكب يوميًا جرائم جماعية وعنصرية ووحشية تجاه شعبٍ بأكمله يعيش تحت وطأة الحصار والتهديد بالتهجير والطرد خارج أرضه، حتّى جاوز عدد ضحايا العدوان المائة ألف بين شهيدٍ وجريحٍ مضافًا إليهم عشرات آلاف المفقودين تحت الأنقاض أو أسرى في المعتقلات، وتجويعًا مقصودًا وتهديمًا وخرابًا لكل أشكال الحياة فيه من عمرانٍ وبنيان وإنسان.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.