بالتزامن مع اندلاع المعارك في فلسطين المحتلة، ثمّة معارك لا نعلم عنها شيئًا تخوضها النفوس “القوّتجيّة” ضد ذباب وجهها. وهي معارك ينبغي أن نقف حيالها بإشفاق والكفّ عن احتقارها، مهما نضحت منها الحقارة.
لا بأس، حالهم “تصعب عالكافر”، ولا يتمناها المرء لأحد، فكيف إذا كان هذا الأحد بالأصل ضعيفًا متهاويًا يعيش أسوأ كوابيسه؟ بالنهاية، أن ترى معلّميك الذين قضيت عمرك بخدمتهم، مؤمنًا بتفوّقهم وبقدراتهم التي لا يهزمها شيء في طور الزوال، هو ليس بالأمر الهيّن!
منذ انطلاقة الطلقة الأولى في هذه المعركة في الجنوب، ووجوه القوّتجيين كالحة مكفهرّة مسوَدّة، بادٍ عليها القهر. والمحزن أنّها تحاول إخفاء حزنها هذا عن العالم كلّه، لأنّ المتألّم يصعب عليه أحيانًا شرح آلامه أو حتى التعبير عنها. دعوهم وشأنهم، فتقريع المنهارين ليس قوّة، وإن كان كذلك فلا حاجة لها. هم يقرّعون أنفسهم بأنفسهم، “بلا جميلة حدا”، وإلّا ما معنى أن يقول شارل جبور، الذي رأى في رعب معلّمه الظاهر فرصة ذهبية للظهور، إن القوات لن تسمح بأن يحدث كذا.. ثم يردف، ما فينا نعمل شي! لم يفصح شارل الجعجعي ربّما لأسباب تكتيكية عن خطة عدم السماح بفعل ما مع الإقرار بالعجز حياله إن حدث. هي واحدة من المآثر العجائبية التي تختص بها القوّات عمومًا. وقد تكون هذه الخطة السرية المشفّرة هي السبب الرئيس في انجازاتهم التي يعجز الدهر أن يحصيها، ومنها، بل وأحدثها “نحنا فينا بس ما فينا”.
الواضح أن الجماعة متأزمون وقلقون ومتخوفون ومتوترون وبحال يُرثى لها. ومن لا يعرف ما المقصود تمامًا، فليتابع، على سبيل الترفيه والاستراحة قليلًا من الضغط النفسي الذي قد تسببه المتابعة المتواصلة للأخبار العاجلة، اطلالات وجوههم المعتمدة اعلاميًا، وليشاهد مي شدياق على سبيل المثال وهي تنفث ما في نفسها وكلّ نفس ابتليت بداء الانتساب للقوات أو مناصرتها.
كعادتها، مي شدياق، أيقونة الإعلام الجعحعي، خائفة على لبنان، تارة من نظام Ayatolla الذي ينكب الباحثون الأثريون على البحث العبثي عن مخطوطة ما تشرحه أو حتى تعرف عنه كما يرد في ذهن شدياق، وتارة من أجيال كشافة المهدي، وتارة من ضياع هوية لبنان بسبب وجود المحجبات فيه وتارة من أنشودة سلام يا مهدي وتارة من “وقاحة” الشيعة الذين ضمّ والد شدياق على ما يبدو مناطقهم إلى لبنان ليكونوا يدًا عاملة زراعية أو حرفية، فقام ناكرو الجميل الجاحدون بالتعلّم وبصناعة قوّة مقاوِمة تهزم الإسرائيلي.
مي خائفة جدًا، وتشير الاحصاءات إلى أنّها تفوّقت على بان كين مون في إبداء القلق، ولهذا يجب علينا في أقرب فرصة مطالبة الأمم المتحدّة بمنحها منصبًا ما لجدارتها المشهودة في إبداء القلق، مع ملاحظة تفوّقها على مون الذي كان يواجه مشكلة في تفنيد مخاوفه، أما ميّ، فلا مثيل لها، أبدًا، وآخر ابداعاتها في صياغة المخاوف والتعبير عنها بأريحية طفل لا يخجل من قول الأشياء التي يحرص ذووه على كتمانها، كان في قولها بالأمس إنّ اجتماع السّنة والشيعة على مواجهة “اسرائيل” يشكّل خطرًا على لبنان.
في ذهنها، لقد عمل الأميركي وأدواته طوال سنين، ويجهد جبار وتكاليف عالية لصناعة الفتنة السنيّة – الشيعية، وأن هويّة لبنان تشترط عزل الشيعة لأسباب مختلفة، فلا يمكن الآن ببساطة أن نجد أطرافًا من السنّة يناصرون حزب الله أو يقاتلون إلى جانبه ضدّ “اسرائيل”! ألا يكفيها مصيبة أن السوريين القوميين هم أيضًا أهل عقيدة مقاومة؟! لماذا تُرتكب كلّ هذه الأفعال المنافية لرغبات مَيّ والمتعارضة مع رؤاها الفكرية والسياسة والثقافية؟! حريّ بنا جميعًا عوض الالتفات للخطر الوجودي القائم على مدار الساعة والمتمثل بوحود “إسرائيل”، الوقوف على خاطر مي وتهدئة روعها، فجميعنا ضيوف في مزرعة ورثتها عن ابيها ولا يحق لنا التصرّف وكأنّنا على أرض هي لنا ومنّا، أرض سقياها دمنا وعزّتها أنّنا أبناؤها. ما أوقحنا، نشكّل خطرًا على لبنان مي، على لبنان القوات، وننسى القيام بواجب الحصول على رضاهم، وبذل الغالي والنفيس في سبيل نيل هذا الشرف العظيم!
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.