تعوّد العربي أن يسمع الخطاب ليرتفع عنده الغضب مستوىً يجعل شعاراته تفرغ ما احتقن به صدره، وذاق ذرعه. وهذه العادة قديمة، قدم الحروب بين القبائل العربية، وهو ما خلده الشعر أشعاراً حماسية لأشهر شعراء العرب في الجاهلية، وتالياً في القرون التالية. وأحياناً يكون الفارس الشجاع شاعراً، فيقف ويرتجز قائلاً الشعر قبل أن يبدأ المعركة والأمثلة عديدة في التاريخ العربي لعل أشهرها عنتره بن شداد وهو من أصحاب المعلقات.
بُرمج العقل العربي على الشحن العاطفي إذاً وتعود على الحماس وتطور من الشعر إلى الخطابة، إلى الأناشيد الثورية، فالكلمات للقادة والتي عادة ما تكون بسقوفٍ مرتفعة جداً في المعاني والأهداف، وهو ما انعكس سلباً على الوعي العربي خاصةً عندما أدرك جمال اللغة العربية، وخداعها بنفس الوقت عندما تستعمل للحماسة فقط من دون أثر فاعل بالواقع، والأمثلة كثيرةٌ أيضاً من زعماءٍ عرب كان الخطاب عندهم مرتفعاً، بينما الأفعال مغايرة تماماً للأقوال.
هذا الأمر أنتج شعور الإحباط في القلب العربي عموماً، ويأساً في العقل من ناحية الأمل في تحقيق الحلم العربي لمعظم الشعوب بالقدرة على مواجهة الواقع وتحدياته، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بفلسطين، الجرح الذي ما زال حياً في صدور العرب والمسلمين
لم يختبر العربي سلاحاً آخر على مر الأيام منذ احتلال فلسطين، ولم يدرك أن هناك قوة أعظم من الكلام، وهي قوة الصمت حين يكون الوقت لرسم مرحلة جديدة من الصراع مع العدو الاسرائيلي بدأت معالمها تتشكل منذ العام 2000، عندما تحررت ولأول مرة من الاحتلال أرض عربية وكان الخطاب هذه المرة مختلفاً عن الخطابات العربية التقليدية لأنها أنتجت فعلاً ولم تصعد في الهواء، حتى خلد خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في أذهان الصهاينة قبل العرب عندما شبه الكيان الصهيوني ببيت العنكبوت
واليوم يلعب الصمت دوره في رسم ملامح الرعب عند العدو، لأن الصمت أحياناً أبلغ من الكلام، لأن من يصمت هو قائدٌ من نوع آخر، إذا تكلم أنصت العدو قبل الصديق، وإذا صمت حار العدو وأُربك لأن في الصمت هيبة كصاحبه، وفي القول قوة تصل أحياناً رسالة، وقد تكون رصاصةً في معظم الأحيان.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.