القراءات الخاطئة لموقف حزب الله من الاستحقاق الرئاسي

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

ما زالت حالة من المراوحة تسود المشهد السياسي في لبنان رغم ما نسمع ونقرأ عن حراكٍ دولي وعربي لحلحلة العقد وتليين المواقف للأطراف اللبنانية المعنية بالاستحقاق الرئاسي المتمسكة بقراءاتها وقراراتها بما يتعلق بالاستحقاق المذكور. وتبدلت المواقف تباعًا من معظم الأطراف المعنية وانتقلت في طروحاتها وترشيحاتها من مكانٍ إلى آخر وجرت بينها وقوى أخرى تقاطعات لم تحقق لهم أية نتيجة تذكر وبقوا يدورون في حلقة مفرغة مليئة بالاتهامات المتبادلة بالتعطيل والتسويف والشروط المستعصية والرفض غير الواقعي للحوار، الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب اللبناني دولة الرئيس نبيه برّي تحت قبة البرلمان، وذلك كلٌّ من زاويته ورؤيته ووفقًا لمصالحه الضيقة.

الثابت الوحيد واللا متغيّر هذه الأيَّام هو موقف الثنائي الوطني حزب الله وحركة أمل وحلفائهما من القوى الممثلة في البرلمان اللبناني. فقد جرت وتجري اللقاءات والاجتماعات مع المبعوثين الدوليين الذين تبدلت مواقفهم وتذبذبت طروحاتهم وأيضًا وفقًا لمصالحهم التي يرونها في التركيبة السياسية اللبنانية، وانتقلوا في خططهم من ألفٍ إلى باء وما بعدها والله أعلم ما هو آت، وتتمحور هذه الأيام جُلّ جهودهم في ممارسة الضغوط على الثنائي للسير بالخيار الثالث والتخلّي عن ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، وتتركز هذه الضغوط حاليًّا على حزب الله بالتحديد في محاولة خبيثة للفصل بينهما وكأنَّ الرئيس برّي خارج المعادلة وجاهزٌ للتخلي عن حليفه في تقدير خاطئ وفادح لموقع الرئيس برّي في المعادلة السياسية الداخلية وللموقف المشترك والمتخذ بين الحليفين الذي لا انفكاك فيه في القضايا الوطنية الأساسية والإستراتيجية على مستوى المقاومة والاستقرار الداخلي والسلم الأهلي.

حاليًّا تجري سلسلة من الأحداث والمتغيّرات وتتسارع خطوات أمريكا وحلفائها في الإقليم والمنطقة مع تسجيل حشودات عسكرية يرافقها ضجيج سياسي وإعلامي يضعها بعض المتابعين في إطار التهويل والضغوط على محور المقاومة لتليين المواقف ولتغيير السلوك من الخليج الفارسي إلى شواطئ المتوسِّط، مع أنني من أصحاب الرأي القائل بأنَّ هذه الغيوم القاتمة والملبدة والتي تتجمّع في سماء المنطقة لن تمرَّ مرور الكرام بل ستمطر على ساحات مختلفة ومتعددة وتنذر بنتائج كارثية على مجمل وجود محور الاستكبار المعتدي والمهيمن ونفوذه. هذه التهويلات والضغوط من الطبيعي أن تجعل المستهدفين بها أشدَّ تصلُّبًا وراديكاليةً وقساوةً في التصدِّي والمواجهة والتجربة خير دليل على أنَّ هذه السياسات الاستكبارية لم تؤدِّ إلى تحقيق أية إنجازات لقوى الهيمنة والعدوان والاحتلال بل في كثير من الأحيان أدَّت إلى عكس المرجوِّ منها مع تراجع وانكفاء في العديد من الميادين والانسحاب الدراماتيكي من أفغانستان شاهِدٌ ومثال وقريبًا سنشهدهُ في العراق وشرق الفرات بإذن الله، ناهيك عن مشاريع التطبيع القائمة على قدمٍ وساق في المنطقة حيث تتوالى الضغوط وتُسقِطُ الدول المطبعة كأحجار الدومينو الواحدة تلو الأخرى ممّا يؤكّد على أهمية التصلُّب في المواجهة وعدم التراخي والركون أمام التهديدات وإسقاط مفاعيلها بالتمسك بالمبادئ والخيارات الإستراتيجية وعلى كل المستويات وفي مختلف الساحات.

نشهدُ في اليمن هزيمة نكراء لتحالف العدوان وتصاعدًا للقوة والمنعة لدى الشعب اليمني وقيادته وقدرات استثنائية دفاعية وهجومية شهدها ورآها العالم أجمع رغم الحصار والتجويع والحرب المفروضة. أمّا في العراق فإنَّ قوى المقاومة والحشد الشعبي المقدَّس باتت تشكل رقمًا صعبًا في المعادلة الداخلية والإقليمية وموضع قلقٍ واضطرابٍ مستمر لبقايا فلول الاحتلال الأمريكي وأزلامه هناك، وفي وسوريا استطاعت الدولة السورية والشعب والجيش العربي السوري بمؤازرة حلفائهم القضاء على التهديد الوجودي للدولة ومحاولة تمزيق الكيان السوري لدويلات والذي مثلته الحرب الكونية عليها. أمَّا في لبنان فقد باتت المقاومة ومحورها قوةً لا يستهان بها ويحسب لها ألف حساب من قبل العدو الإسرائيلي ومن خلفه أمريكا والمعادلات المرعبة والردعية القائمة بثبات مجاهديها وبدماء شهدائها وجرحاها وفي إطار المعادلة الذهبية بين الجيش والشعب والمقاومة تؤكّد على تنامي القوة والقدرة والاستعداد للمواجهة وللدفاع عن السيادة والأرض والحقوق، وفي فلسطين تتصاعد جذوة المقاومة والمواجهة يومًا بعد يوم في الأرض المحتلّة وتشكل إرباكًا حقيقيًّا للاحتلال وقطعان مستوطنيه. خلف هذه القوة والاقتدار والثبات تقف الجمهورية الإسلامية في إيران شامخةً وحصينةً نصيرًا وداعمًا ومؤازرًا لهذه القوى المقاومة والممانعة وتشكل لها رديفًا وعمقًا إستراتيجيًا في إطار الصراع المحتدم بين محور المقاومة وحلف الاستكبار الأمريكي والعالمي وبعض دول الرجعية العربية.

كنّا قد كتبنا سابقًا حول ضرورة عدم القراءة الخاطئة والفهم السليم للعقل السياسي المدبِّر والمدير لحزب الله اللبناني وسلوكياته ومقارباته للقضايا الوطنية والإستراتيجية ونصحنا بعدم الوقوع في خطأ الفهم والتحليل ودراسة سيرة ومسار وتطور هذا العقل لدى الحزب على مدى أربعين عامًا ونيِّف والتي كانت فيها سياسته مرتكزة على منظومة قواعد وأصول هي في صلب عقيدته وتربيته وسلوكه في العمل السياسي والشأن العام في ارتباط وثيق وعدم انفكاك بين الدين كمنظومة قيم وأخلاق وسلوك وعدالة اجتماعية وبين السياسة بمفهومها العام في ارتباط متجذِّر بينهما وفيهما بعيدًا عن الألاعيب والتكتيكات النفعية والحزبية والطائفية والشخصية المتعارف عليها في ممارسات الأطراف اللبنانية للعمل السياسي المحلي.

لا مصالح نفعية آنية أو مستقبلية لدى هذا الحزب وفقًا لتأكيدات قياداته ومواقفهم المعلنة مثلما يحلو للبعض من القوى المحلية الاشتراط والعمل على تحقيقها في الزواريب الداخلية للسياسة اللبنانية، بل لديه قضايا كبرى وإستراتيجية على مستوى الوطن والكيان اللبناني وقوته ومنعته وسيادته واستقلاله ونظرته نحو مستقبل الصراع مع العدو الإسرائيلي. وليطمئنَّ البعض أنَّه لا “دوحة ثانية” كما في العام 2008م ولن تتكرر تجربة ذاك “الرئيس الخشبي” المنقلِبِ على الثوابت والتفاهمات والتسويات التي أتت به رئيسًا، ومن هنا كان موقف سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله من هذا الاستحقاق واضحًا وجليًّا “نريد رئيسًا لا يطعن المقاومة في الظهر” وأن التعطيل للاستحقاق الرئاسي السابق لسنتين وأكثر ووفق آليات دستورية مشروعة لحين انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية في إطار الحوار والتفاهم ولبننة الاتفاق خير دليل على ثبات الموقف ومشروعيته، وهذا ما يجري الآن لعلم السيد نصر الله وقيادة المقاومة بأهمية دور هذا الرئيس العتيد في المعادلات الداخلية والخارجية وخاصة في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة التي يمرُّ بها لبنان والمنطقة.

ما زلت أعتقد بل وأتحدَّث بلغة الواثق بقائدِ هذا الحزب وقيادته أنَّ لا خطَّة باء ولا حتَّى تاء لديه بما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي استنادًا للتجربة التي نعرفها وعشناها ولمبدئية العمل السياسي لدى حزب الله وخياراته وقراراته في العديد من المفاصل المهمة والحسَّاسة من مسيرته الجهادية والسياسية، ووفقاً لسياق التحديات والتهديدات والتهويلات بإعادة رسمِ خرائط المنطقة مما يؤكد أهمية التمسك بالخيارات المطروحة والتي تتوافق مع الرؤية المستقبلية لدور لبنان في القادم من الأيام. ويبقى الخيار الوحيد للثنائي هو المرشح الوزير السابق سليمان فرنجية والبديل إذا كان لا بدَّ منه حتمًا سيكون ترشيح سليمان فرنجية آخر إذا كان موجودًا.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد