مؤتمرات متنقلة، طروحات ومبادرات، والهدف باختصار رأس المقاومة لإفراغ لبنان من نقاط قوته، بعد أن دخلت المقاومة مرحلة فرض معادلة تتجاوز حدود الوطن بتوازن استراتيجي نقل لبنان القوي بضعفه إلى لبنان المقتدر بمقاومته التي تراكم انجازاتها كل يوم باتجاه تحقيق هدف محدد ومرسوم شكّل منعة بمواجهة خطر العدو الصهيوني وأطماعه.
كل ما يجري ليس من قبيل المصادفة، في ملف انتخاب رئيس للجمهورية، وكذلك لم يعد خافيًا ما يدور في أروقة السياسة الدولية وما له انعكاس على الساحة الداخلية في لبنان. طروحات متناقضة، شدّ حبال بين الأطراف السياسية، وتخلي بعض المكونات السياسية عن دورها بعدما سلّمت لرغبة دولية غربية أميركية خلفها أنظمة خليجية مرتبطة بها عرفت بالخماسية الدولية ضمت إلى الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا ومصر والسعودية وقطر صاحبة المشروع الأخطر على العالم العربي وفي لبنان تحديدًا، بأبعاد سياسية ذات أهداف اقتصادية مرتبطة مباشرة باستكمال مشروع الحرب على سوريا، ومعوّلة على عمق التداخل بين لبنان وسوريا وترابط البلدين وشعبيهما. كل ذلك تمت ترجمته على شكل ازمات سياسية متتالية أدخلت القوى السياسية بحالة عجز نتيجة تركيبة المجلس الحالية والتي استغلها الأميركي عبر جولات لسفيرة الولايات المتحدة على مرجعيات سياسية ومكونات نيابية تصف نفسها بأنها معارضة، وهي على تماس مع المشروع الاميركي الذي أثمر حتى اللحظة تعطيل واستمرار الفراغ.
وشكّل كلك زيادة الضغوط الاقتصادية والتهويل الإعلامي، التي تتلاقى مع طروحات مفخخة يحملها موفدون أجانب الهدف منها هوية لبنان بغض النظر عن الاسم أو الشخص. فالسياسة الأميركية صاحبة تاريخ مبني على مصالح وفي مقدمها موقع “إسرائيل” في تلك السياسة وأهمية حمايتها، ودور موقع لبنان السياسي نظرًا لموقعه الجغرافي، وهذا أولوية أميركية بلحظة حرجة يتراجع فيها دور واشنطن مع نهاية القطب الواحد وما ستخلّفه حرب أوكرانيا على العالم في ظل تنامي قوة الصين واقترابها من لحظة خطر الاصطدام المباشر، بحرب يعلم الاميركي أنه لا يمكن خوضها بالوكالة كما فعل في أوروبا بحربه على روسيا. والأهم أن الإدارة الأميركية ومراكز الدراسات لا تعرف حتى اللحظة نتائج هذه الحرب تكاليفها، وهذا هاجس يحكم تصرفات أميركا، بغض النظر عن الإدارة والتنافس الداخلي الذي تحول إلى صراع وصل إلى أبواب الكابيتول.
وتشهد أميركا لأول مرة في التاريخ محاكمة رئيس سابق ومرشح حالي للرئاسة، وهذا لا يختلف عن الأزمة السياسية في الكيان الإسرائيلي وحالة الإرباك برغم التطبيع بوجهيه المقنع والمعلن مع أنظمة عربية عدة.
ورغم الحصار، بقيت لغة المقاومة صاحبة القرار الفصل، وصارت يدها الأعلى في معركة مفتوحة وحرب مستمرة سقطت فيها قوة الجيش الذي لا يقهر أمام حركات المقاومة التي يعلم العدو الصهيوني أن لبنان بمقاومته عمودها الفقري وعقلها المدبر، وهذا هدفه الحقيقي بغض النظر عن المرشحين أو الاسم الذي يريده الأميركي ويعمل لوصولهم، ومن أول شروطه أن لا يكون منسجمًا مع المقاومة وخيارها، وهذا ما تقاطعت عليه قوى اليمين مع بقايا الاقطاع السياسي والتوريث وشتات اليسار وحديثي النعمة السياسة وإفرازات الجمعيات غير الحكومية تحت مسمى المستقلين أدوات السفارات، الذين ركبوا جميعهم موجة أميركية يدير خيوطها ويحركها الأميركي بوجوه متعددة.
موفدون وطروحات ترجمت مبادرة فرنسية مفخخة سعوديًا، وطرْح قطري فيه خبث سياسي اقتصادي انعكس على الساحة الداخلية حكوميًا وبرلمانيًا، وصولًا إلى التسليم بقدر من تريده أميركا ممثلًا لها في قصر بعبدا، كجزء من مشروعها للشرق الأوسط الجديد، يكبح جماح المقاومة ويبقي هوية لبنان ضمن هذا المشروع الأميركي الغربي.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.