تراجع الدور الأميركي: لمجتمع دولي أكثر توازنًا

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

ينتظر العالم فصل الشتاء بعد صيف حار انتهي فيه شهر آب بعواصف وأمطار في أكثر من منطقة، خاصة في محيطنا العربي. ترافق ذلك مع عاصفة من التهويل والتهديد بحرب أميركية، ورسْم سيناريوهات لمعركة شمال سوريا، في ظل حديث عن نية “إسرائيل” مهاجمة إيران بتعاون غربي، فضلًا عن استعدادها لشن حرب على لبنان.

تقاطعت هذه الأخبار مع صحوة ما يسمى “الثورة” في سوريا من ثبات عميق استمر سنوات، ترنّح فيها مطلب الحرية وإسقاط النظام والعمل لقيام إمارات دويلات تشكل نواة الشرق الأوسط الجديد الذي تجهد الإدارة الأميركية في العمل عليه علنًا، ولم توفر في سبيله أي جهد، من تمويل و تزكية حروب طائفية لتبديل خرائط سياسية أُنجزت بطريقة تطبيع بين الأعداء لشدّ العصب المذهبي وتقوية النفوذ الأميركي، رغم تراجع دور الولايات المتحدة أمام القدرة الروسية والإصرار الإيراني والنمو الصيني وتوسّع العلاقات بين هذه الدول وغيرها بعيدًا من الإملاءات الأميركية وعدم رغبتها فيه.

هذا بالتحديد كرّس تراجع دوره الولايات المتحدة في العالم بعد تهشيم صورتها على الجبهة الأوكرانية وانكشاف قدرة الناتو الحقيقة في أول مواجهة عسكرية بعد الحرب العالمية الثانية وقيام النظام العالمي الجديد بحرب عالمية، ولو على جبهة محدودة، أعادت لروسيا موقعها كقوة عظمى على المسرح الدولى، وفرض الدب الروسي نفسه على العالم بعد خروجه من كبوة ترويضه إلى غابة عالم محكوم بأحادية القطب.

كرر الغرب جرائمه في كل مكان وصلته أطماعه خارج أرض العم سام بهدف السيطرة على مقدرات الشعوب وفي مقدمها النفط، وضمان طرق عبوره وتهيئة الظروف بأنظمة ترتبط به مباشرة، تحركها الإدارة الأميركية بشعار الحرية وحقوق الإنسان، وغطاء المنظمات الدولية، أدوات الاستعمار الجديد، في خدمة سيطرة الغرب وسيطرة الدولار الأميركي مقرونًا بسيف العقوبات الغربية على العالم، وما الحرب الروسية – الأوكرانية إلا جولة ضمن معركة فرضت حقيقة مطلقة أن ما قبلها ليس كما بعدها، وأن السياسات الغربية حاصرت دولها الأوروبية وتراجع اقتصادها كما دورها السياسي في مواجهة مشروع دول البريكس وصفعة انضمام ستة دول إليه أخيرًا بمعايير اقتصادية بعيدًا عن أيديولوجيا رفض الآخر، وهذا شكّل صدمة للولايات المتحدة ودول الغرب التي يتراجع دورها الاقتصادي الذي وصل لحدود الـ30% من الناتج المحلي العالمي، بعد أن تجاوز الـ60% قبل الحرب الأوكرانية – الروسية، قابله ارتفاع إقتصاديات دول البريكس لمجموع قارب 34% بعد أن كان لا يتجاوز 10% منذ عقد من الزمن.

هذه الصفعة في قلب الغطرسة الأميركية وما ينتظرها من أيام سوداء داخل الولايات المتحدة وخارجها، بينما هي تخسر على كل الجبهات وتعمل لتعويضها هوليوديًا برسم سيناريوهات حرب غير قادرة عليها قبل أن تنتهي من الجبهة الأوكرانية بخسارة كبيرة لها ولأوروبا معها، وأول الخاسرين هو الشعب في أوكرانيا بما يعانيه من دمار وضحايا بشكل يومي، بينما تدير واشنطن الحرب من خلف البحار وتمنع من الوصول إلى تسوية تعيد توازن دولي يفرضه الروسي وحلفاؤه انطلاقًا من أوروبا إلى الشرق الأوسط فإفريقيا وخليج فارس وصولًا إلى البحر المتوسط، المنطقة الحمراء في قاموس الصراع السياسي للإدارة الأميركية واستراتيجية المنطقة لما تحويه من مخزون ثروات واعدة وموقع استراتيجي عجزت “إسرائيل” عن السيطرة عليه رغم تفوّقها العسكري ودعمها السياسي الاقتصادي وتأمين شبكة حماية دولية عربية لها، من تطبيع للعلاقات مع أنظمة مجاورة. كل هذا يفرض التدخل الأميركي المباشر في هذه المنطقة، واعتماد خطط بديلة تتناسب مع الواقع الجديد بعد عقود من صراع وأزمات قادت إلى بوابة جديدة بمعايير جديدة.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد