إن المراهنة على نجاحات “الهجوم الأوكراني المضاد”، الذي اعلن عنه منذ شهر او اكثر قد اثبت فشله، ولم يحقق اي نجاحات تذكر، ما شكل صدمة بالنسبة لدول الناتو وعلى راسها الولايات المتحدة الاميركية، وسيكون لذلك تداعيات على التقديمات العسكرية على اختلافها والتي كانت اهدافًا سهلة بالنسبة للجيش الروسي ولم تثبت الاسلحة المتطورة نجاعتها في المعارك العسكرية بالرغم من التدريبات التي حصل عليها الجنود الأوكران لاستعمالها في الميدان ومنها ما كان غنائم سقطت بأيدي الجنود الروس ويجري دراستها من المختصين في الجيش الروسي.
لقد اعترف وزير الدفاع الإيطالي غويدو كروزيتّو أنه مع مثل هذه الخسائر والاخفاقات يمكن أن تطول الأعمال العسكرية وتأخذ منحى اقوى وأعنف، وربما يكون من الضروري اللجوء إلى الحل السياسي بدلًا من الاعمال العسكرية. بالطبع، إيطاليا بلد جميل، لكنها لا تقرر أي شيء في العلاقات العالمية.
يرى فيفيك راماسوامي وهو مرشح جمهوري للعام 2024 يجب على موسكو أن تحتفظ بالسيطرة على مناطق معينة من دونباس، كما أن تأمين جسر بري إلى شبه جزيرة القرم يعدّ ضرورة استراتيجية لموسكو للوصول للقاعدة البحرية الوحيدة الدافئة في سيفاستوبول.
ويرى راماسوامي أن غالبية سكان جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك من أصل روسي، ولذلك فإن التنازل عن هذه الأراضي لصالح روسيا هو أمر صحي في أي نوع من مقترحات السلام. وكذلك الحال بالنسبة لأجزاء من زابوروجيه وخيرسون التي تزود روسيا بأراض متجاورة تؤدي لشبه جزيرة القرم.
تحليل سياسي عميق قامت به مؤسسة RAND يستبعد إمكانية تحقيق أي نصر لأوكرانيا واستعرض تفاصيله الكاتب دومينيك سانسون في ناشيونال إنترست، حيث اشار الى ان واشنطن تحتاج إلى لعبة نهائية في أوكرانيا، وفق صموئيل شارب، كبير علماء السياسة في مؤسسة RAND. ويقيّم شارب في المقال الثاقب في مجلة Foreign Affairs إمكانية تحقيق أي نصر لأوكرانيا بأنه صعب ومرتبط بأذهان الأوكرانيين بتلقي المزيد من الأسلحة الفتاكة من الغرب. كما أنه مبني على الكره الشديد للرئيس بوتين وتصور إمكانية ظهور جماعات ساخطة في روسيا ضد الحرب.
وأحلام أوكرانيا العريضة، حسب ديمترو ناتالوخا، رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية، تبدأ من استعادة شبه جزيرة القرم وكافة الأراضي التي استحوذت عليها روسيا وتنتهي بحلم استبدال النظام الروسي الحالي بنظام ترضى عنه أوكرانيا! كما يعتقد بعض الواهمين الأوكرانيين أمثال ألينا بوليكوفا ودانييل فرايد أن ما يقف في طريق النصر الكامل هو عدم وجود طائرات F-16 وصواريخ بعيدة المدى، وينسى هؤلاء قدرة القوات الروسية التي تواصل تحقيق انتصارات مهمة، موقعة خسائر فادحة في صفوف الأوكرانيين بينما تتجه غربا. كما يتناسى هؤلاء الحالمون أن القوات المسلحة الروسية تدمر المعدات الغربية وتستولي عليها، بما في ذلك دبابة ليوبارد ومركبة برادلي القتالية. إضافة إلى أن موسكو تسيطر على الأجواء، وفي ظل هذه الأوضاع لن يتم حسم المعركة. وقد ترغب أوكرانيا بتدخل القوات الغربية مباشرة في القتال على الأرض لمساعدتها في تحقيق النصر الحلم.
في الواقع، أكدت القيادة الروسية طوال العامين المنصرمين من بدء العملية العسكرية الخاصة أنها تفضل اللجوء الى الحلول السياسية على الأساليب العسكرية، لكن قادة الناتو والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي طوال هذا الوقت كانوا يقولون عكس ذلك تمامًا: فقط “النصر في ساحة المعركة” ولا شيء آخر. انه الوهم بعينه وكأن ما يحصل على أرض الواقع مجرد عمليات عسكرية محدودة.
والسؤال المطروح : لو استسلم الغرب لحتمية إنهاء الحرب، فهل يتفق مع روسيا في فهم معنى الحل السياسي؟
المهمة التي نجح الناتو فيها تمثلت في تمزيق أوكرانيا ورسم خط “حدودي” جديد مع روسيا مختلف كليًا عن العام 1991 بعد مرحلة الاتحاد السوفياتي، بعد المعارك العسكرية والاستفتاءات التي حصلت في القرم وجنوب وشرق أوكرانيا او ما يعرف بـ”المناطق الشرقية”.
سيرفض الغرب حتى النهاية مسألة حياد بقية أوكرانيا. لطالما أعلن أنصار “حزب السلام” عن هذا الأمر على أنه شبيه بـ “الخيار الكوري”، وأنه لا مفر منه ومقبول لدى الجميع اذا بات هذا الأمر خيارًا آخر امام السلطات الأوكرانية التي باتت رهينة للغرب وبات الحديث عن بقاء أوكرانيا كدولة مستقلة كما كانت اصبح من الماضي.
واذا كانت الولايات المتحدة تعتبر ان تزويد أوكرانيا بشكل يومي بالعتاد سيعيد المناطق التي خرجت عن سيطرة السلطات وهي الان في العهدة الروسية انما يدل على رؤية قاصرة وخاطئة في الحسابات على الصعيد العسكري.
لسبب ما، لا يسمع الغرب على الإطلاق عندما تعلن روسيا مصلحتها الأساسية: التهديد العسكري الذي يواجهنا لا ينبغي أن يأتي من الأراضي التي كانت جزءًا من دولتنا”. في الواقع، مثل هذا التهديد هو بالفعل عدوان، وهذا لا ينطبق فقط على أوكرانيا.
عندما يتعلق الأمر بدول “ناديهم”، فإن الغرب يعرف هذا المفهوم جيدًا.
قبل حدوث الانقلاب في النيجر، كان إيمانويل ماكرون يرغب بالفعل في الحماية بكل الوسائل، حتى القوة العسكرية، أولًا، مواطني فرنسا في هذا البلد، وثانيًا المصالح الفرنسي. (مثال عن التدخل العسكري تحت شعار حماية مواطنيها).
إن صدّ الهجوم الأوكراني والناتوي في المقدمة حتى النهاية هو نصف المعركة. لن يكون الأمر أقل صعوبة عندما يريدون أن يقدموا لروسيا “حلًا سياسيًا” في شكل تبادل للأراضي والحفاظ على مصالحها الأساسية.
إن الضغط من أجل مثل هذا “الحل السياسي” سيكون قويًا، وسيكون هناك الكثير من الإغراء للبيع بثمن بخس واستبدال هدف بآخر. ومع ذلك في المعركة الدبلوماسية القادمة، ستكون روسيا قادرة على الإصرار وتحقيق اهدافها.
أوكرانيا الى اين آنذاك وكيف سيكون مستقبلها السياسي؟
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.