انتظر سامي طويلًا على الكوع، قل كمَن طويلًا على كوع الفتنة كي يجد الفرصة، أو يصنعها، التي تتيح له كسليل لآل القتل الكتائبيّ أن يثبت جدارته على رأس حزب اشتهر بالقتل وبالذبح وبالتنكيل وبكثير من الارتكابات الدمويّة التي يشكّل الغدر عاملًا مشتركًا فيما بينها.
انتظر أن يتصدّر مشهد القتل كي يقول لأبيه، لعمّه “ما غيره”، لجدّه، للكثير من الكتائبيين الذين سبقوه وتفوّقوا عليه جرميًّا إنّه مثلهم، ولا يقلّ عنهم شأنًا في قيادة مشاهد القتل والاستثمار فيها.
على كوع الكحالة، خلع سامي الجميّل ثوب العفّة “الثورجية” الذي راوغ به منذ ١٧ تشرين حيث كان مطلوبًا منه كقياديّ شاب أن يقدّم نفسه إلى جمع البلهاء كناطقٍ “ضد الفساد”. وللأمانة، لم يخدع الفتى سوى من جهّزوا عقولهم للقبول بالخديعة، فظنّوه نموذجًا جُميليًّا جديدًا ومختلفًا عن سواه.
في السنوات الأخيرة، رغم تعدّد الجرائم والاعتداءات المرتكبة ضدّ حزب الله والمقاومة في الطيونة وخلدة وشويّا، حاول سامي الدخول مرارًا كنجم أوّل في مقاربة الأحداث، وفشل. بالأحرى، كان جعجع يتفوّق عليه في صناعة الجريمة ولا سيّما في الطيونة، وفي الاستثمار فيها حيثما وقعت، وكان ذلك يجعل سامي وكتائبه ملحقًا بالقدرة الجعجعية على الغدر. لذلك، كانت الكحالة فرصته الكبيرة إذ شكّلت مسرحًا يصعد الفتى الموتور على منبره، يهدّد ويتوعّد ويستثمر ويطالب ويضع شروطًا (هنا وجبت القهقهة!) ويرفع سقف الفتنة إلى حدّه الأعلى.
منذ الساعات الأولى على جريمة الكحالة، دخل سامي كادر الصورة ولم يخرج. لم يكلّ ولم يملّ متحدثًا، بأسلوبه المنفّر جدًا بالمناسبة، عن طموحات حزبه الذي اعتاد أن يقتات على الدم، ولا فرصة له بالحياة على عشب الأمان الأهلي. يقف مطالبًا بالدم، مهدّدًا بالدم، مستعرضًا بما يجب أن يخجل به المرء عادة، ربّما ليقول للصهيونيّ إن التنويه الذي حصلت عليه جريمة الكحالة على لسان وزير الحرب يخصّه هو وإنّه يستحقّ من الصهاينة فرصة كتلك التي نالها عمّه.
من هول بهجته، استعجل سامي فنطق بما لا يستطيع تنفيذه: انتقال الكتائب إلى مرحلة “النضال” الوجودي والكياني عوضًا عن النضال السياسي. وهنا، لم نعلم إن كان الفتى الموتور يظنّ “نضال الكتائب” في صبرا وشاتيلا مثلًا فعلًا سياسيًا، ويريد الآن الارتقاء نحو مرحلة أعلى، أو كان يعلن نهاية فترة السبات الكتائبي المعلن عن الدم والعودة إلى ممارسة الغدر الدموي إذ انتهت كلّ أوراق التوت التي يتستّر الجُميليون خلفها.
المضحك في الأمر، أن الكثير من الكتائبيين قد بلغوا من النضج ما يجعلهم يرفضون كلام سامي وتهديداته جملة وتفصيلًا. ليس تعفّفًا عن القتل والدم وإنّما بسبب وعيهم لموازين القوى في البلد وإدراكهم لسقوط المشروع الصهيوني في البلد منذ سنين.
سامي يجعجع الآن، وسيظلّ على الجعجعة هذه، إمّا لقصور لديه عن فهم المرحلة وعن العجز الكتائبي الذي اقتلعت أنيابه فما عاد كما في السابق يستطيع “عض” الأوردة لشرب الدم، وإمّا لظنّ فيه أنّه بهذا التصعيد يستطيع أن يستحضر قوّة ما أو ثقة دوليّة تمكّن كتائبه من العودة إلى ساحة القوى الوازنة في البلد. وفي الحالتين هو أسير لوهم مرضيّ تشكّل في سياق طبيعيّ كونه سليل آل الإرهاب المشهود.
كلمة أخيرة، قل نصيحة، يتوافر في السوق الكثير من الحبوب المهدّئة والخلطات العشبية التي تؤثر بشكل إيجابيّ على الأعصاب. على طبيب العائلة أن يصف منها لسامي، عساه يهدأ قليلًا ويكفّ عن القفز كصبيّ أرعن، القفز الذي لن يعود عليه سوى بالآلام العضلية وتعب المفاصل.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.