صافرات الإنذار دوّت، والمآذن دعت إلى النفير ورد كيد العدى في جنين التي أقسمت بربها أن تنتزع في فجرها هذا نصرًا، وعلى وقع صليات من رصاص المقاومة أقيمت الصلاة رفقة سلاح الأحرار، وبين الركوع والسجود، صدحت الحناجر بحي على الجهاد، وذلك بعد أن شرعت كتيبة جنين ببدء معركة “بأس الأحرار”، ردًا على اقتحام مدينة جنين العتيدة ومخيم صمودها؛ لتحرز نصرًا جديدًا أخذت تضيفه بالدم العفيف، وصمود مقاومتها إلى سجلات تاريخها الزاخر بالجهاد والنصر.
النصر وثقته عدسات الكاميرات، بسقوط العدو، وجنده الذين هرولوا إلى الاختباء أسفل حطام مدرعاتهم المصفحة، وأخذوا يستغيثون كلبهم لنجدتهم، فسقط بينهم، ليتفاقم نباحهم سويًا، فأرسلت لهم قيادتهم طائرات وشاحنة لتنقذهم وعرباتهم، فأهلكت المقاومة الشاحنة، وأعطبت الطائرة، فأيقنوا أن ترسانة كيانهم الإرهابية وكلبه لن يحمِيانهما من نار جنين وبنادق ثوارها، التي لم يخرجوا منها أحياءً، وإن توهموا ذلك.
وفي التفاصيل، بدأت هزيمة العدو، يوم أمس الإثنين، حين اكتشف المقاومون غدره المعتاد بإرسال “قوات خاصة” من قطعان جنوده، وقبل أن تصل “عش الدبابير” كما يُسميه المحتل كونه يعلم منذ عقود مدى قوة رجاله الذين يجفل أمامهم وهم يُفاقمون رعبه، اعترضتها المقاومة بكمين كان كافيًا ليمرغ أنف كيان العدو بالتراب.
الكمين الأول نصبته المقاومة لقواته التي بدأت بالتسلل قرابة الساعة الخامسة فجرًا إلى حي الجابريات في محيط المخيم، حيث انفجرت بهم وآلياتهم عبوات ناسفة من نوع “التامر” التي أعدتها الأيادي الشريفة، بالتزامن مع اقتحام آليات الاحتلال المدرعة والمصفحة جنين ومخيم صمودها، وإرسال “تعزيزات عسكرية” تمكن المقاومون منها واشتبكوا معها في أكثر من محور بصليات كثيفة من الرصاص والعبوات المتفجرة، وفقًا لكتيبة جنين، التي نشرت مقاطع توثق محاصرة جند الاحتلال ومدرعاتهم التي أعطبوا نحو سبع منها، بينها تلك التي وصلت إلى أحد المنازل في حي الجابريات حيث تصاعد منها الدخان عقب تفجير عبوة ناسفة بها، وأخرى تدعى “النمر” أمريكية الصنع نجحوا في تفجيرها بعبوات “التامر” الناسفة وإسقاط من كان على متنها من جند العدو بإصاباتهم.
ولم ينتهِ الأمر هنا في خضم صد العدوان الصهيوني على جنين ومخيمها لأكثر من ثماني ساعات، تخللت مواجهة الاحتلال بالعبوات الناسفة شديدة الانفجار، والرصاص، واستهداف الطيران المروحي بالأسلحة الرشاشة، كما أكدت كتيبة جنين؛ الأمر الذي يشير إلى مدى هزيمة الاحتلال الذي شرعت طائراته أيضًا بإطلاق بالونات حرارية خوفًا من وجود صواريخ محمولة على الكتف مضادة للطيران وفقًا لتصريحات العدو الذي شاركت المئات من آلياته العسكرية المصفحة في الاقتحام، إضافة إلى قناصيه الذي تسربوا إلى أسطح المنازل.
ولأن العدو يدرك تمامًا أن جنوده الذين يغلب عليهم طابع الجبن، لن يتمكنوا من مواجهة المقاومين على الأرض؛ حاول غدرهم من السماء بقصفٍ شنته مروحيات قتالية، وطائرة “أباتشي” أعلنت كتيبة جنين عن “استهدافها حين حلقت على ارتفاع منخفض في حي الجابريات برصاص كثيف”.
ورغم كل إرهاب العدو إلاّ أنه فشل في تحقيق مسعاه بالاقتحام لا وبل لم يفلح حتى بجرّ عرباته المدرعة والمصفحة التي هلكت إلاّ بعد ساعات؛ إثر وقوعه في كمائن المقاومة.
كذلك اعترف العدو بالاستعانة بطائرات هيلوكبتر، لينقذ آلة حربه من جنين ومخيم صمودها، ولينتشل قتلاه وجرحاه الذين أسقطتهم المقاومة أرضًا. وليتستر المحتل على فداحة هزيمته، عاد ليراوغ ويدّعي أن لا قتلى بين صفوفه، رغم تناثر أشلاء جنده وهي تعود إلى مكانها الطبيعي بين المصارف والمناهل.
هزيمة الاحتلال أمس في جنين، جعلت إعلامه يعود إلى كابوس جنوب لبنان، والخسائر التي تكبدها، والويلات التي ذاقها، فقد نقلت إحدى وسائل إعلام العدو عن مسؤول عسكري في الكيان تصريحاته حول تماثل الكمائن التي نُصبت لهم في جنين مع الأساليب التي انتهجتها المقاومة اللبنانية والمتمثلة بحزب الله في مقاومتها للاحتلال الصهيوني تحديدًا في الجنوب الذي دُحر منه صاغرًا ذليلًا.
وبالعودة إلى جنين فقد ودّعت أمس خمسة شهداء سادسهم اعتلى السماء برفقتهم اليوم، بعد أن استهدفت رصاصات الغدر طفولة الفتى أحمد صقر، وأبطال البلاد إبان اشتباكهم مع جنده وتصديهم لجرائمه، وكأنهم حقًا كانوا يتسابقون إلى الشهادة التي أبى قيس جبارين أن ينحرف عن سلوك دربها كما خطّ على صورته بجانب ضريح البطل المقاوم عبد الله الحصري، فلطالما تمنى جبارين لقاء الحصري ومتين ضبايا وداوود الزبيدي، ومحمد السعدي، وكل رفاقه المقاومين الذين نالوا هدية الله كما وصف.
كذلك الشهيدان المشتبكان المقاتلان، خالد عصاعصة، وقسام أبو سرية الذي لم يجد وصفًا لأيامه بعد ارتقاء رفيقه شهيدًا سوى أنه يعيش “أيام ثقالًا تنخر في الروح قبل الجسد” حتى اطمأنت روحه أمس وهي تصعد إلى الجنان التي كان يحلم بها أيضًا ابن طوباس المقاوم أحمد خالد دراغمة، ونالها على أرض جنين بعد أن ترك وصية استذكر بها القادة الشهداء داعيًا أقرانه للمضي على ذات الطريق قائلًا “لتكن دماؤنا نبراسًا نضيء به الطريق نحو تحرير الوطن”.
واليوم ارتقى الشهيد أمجد الجعص، الأب الذي عذبه الاشتياق لابنه وسيم، الذي اعتلى المجد قبله في المجزرة التي اقترفها العدو في جنين أيضًا مطلع العام الجاري، لتزف البلاد المحتلة في الساعات الأخيرة الجعص والشاب زكريا الزغول الذي ارتقى مشتبكًا وهو يصد جند العدو في بيت لحم.
ولأن الرد لا يتأخر في فلسطين، ترجل عصر اليوم بطلان انتزعا ثأر جنين بعملية بطولية نفذاها جنوبي جبل النار، لتُسفر عن مقتل أربعة صهاينة لحد اللحظة، التي تجوب بها الحلويات البلاد المحتلة احتفاءً بقتل قطعان العدو، الذين اقتربت ساعة محقهم أجمعين وهم صاغرون. اللهم آمين.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.