حين تعود الجامعة العربية إلى أحضان سوريا

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

تصدّر خبر عودة سوريا إلى جامعة الدولة العربية أبرز الأخبار العربية والإقليمية، إذ وبناءً للقرار الصادر عن وزراء الخارجية العرب بعد اجتماعهم الأخير في السابع من الشهر الجاري في القاهرة، استعادت سوريا رسميًا مقعدها في جامعة الدولة العربية بعد تجميد دام لما يقارب الـ 11 عامًا.

هذا القرار الذي جاء بعد تغيرات إقليمية ودولية كان لسوريا نصيب منها، سيكون له تأثيرات عديدة على الساحة السورية والعربية ككل، لا سيما بعد الحرب الوحشية التي خاضتها سوريا وحيدة، بعيدًا عن أي دعم عربي حقيقي، بل بتآمر من البعض، وقد خرجت رغم الدمار والألم شامخة منتصرة.

العودة إلى الساحة العربية بعيون الصديق والعدو
تبنى وزراء الخارجية العرب قرار العودة السورية إلى جامعة الدول العربية بأغلبية كبيرة. ورغم هذا الاتفاق الذي حاز على أصوات أكثرية الحضور، إلا أن الآراء تفاوتت بين ممثلي الدول وبالتالي في مواقف حكوماتهم.

على الصعيد العربي، وبينما دفعت دول عربية ومنها الإمارات في اتجاه إعادة العلاقات لطبيعتها مع سوريا، عارضت دول أخرى منها قطر التطبيع الكامل دون وجود حل سياسي للصراع السوري. وصرّحت الخارجية القطرية عبر متحدثها، أن موقف الدوحة من تطبيع العلاقات مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد “لم يتغير” ولا يزال “يرتبط في المقام الأول بالتقدم في الحل السياسي” للأزمة السورية.

وحرصت دول أخرى على وضع شروط لعودة سوريا. وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إن عودة سوريا، التي لا تزال خاضعة لعقوبات غربية، إلى جامعة الدول العربية “مجرد بداية متواضعة جدا لعملية ستكون طويلة جدا وصعبة وتنطوي على تحديات”.

وعلى الساحة الدولية، كان موقف الولايات المتحدة الأميركية من المواقف البارزة حول عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، حيث انتقدت الولايات المتحدة القرار العربي، قائلة إن دمشق لا تستحق هذه الخطوة. كما شككت الإدارة الأمريكية في رغبة الرئيس السوري بشار الأسد في حل الأزمة الناجمة عن الحرب الأهلية في بلاده.

موقف الولايات المتحدة في هذا الشأن لم يكن مستغربًا أو غير متوقع، كيف لا وقد شكل ملف إسقاط الحكومة السورية واحدًا من معالم فشل الإدارة الأميركية ومعها المجتمع الدولي، وبات ملف الأزمة السورية واحدًا من أكثر الملفات الخارجية تعقيدًا بالنسبة للإدارة الأميركية بدءًا بإدارة أوباما مرورًا بإدارة ترامب ووصولًا لإدارة بايدن الحالية.

وفي هذا السياق، أثار قرار العودة السورية مخاوف إسرائيلية، وقد تابعت وسائل إعلام عبرية هذا الحدث بقلق شديد، وبدت خيبات الأمل واضحة لدى الطرف الإسرائيلي، لا سيما وأن المعارضة الإسرائيلية ترى في الأمر “فشلًا واضحًا” لحكومة نتنياهو، بينما يزعم مؤيدوه أن الأمر لم ينته بعد وأن الإدارة الأميركية تعمل معه لتعطيل المصالحات العربية والعربية-الإيرانية بالاعتماد على “أصدقائهم” من الحكام العرب أو الإعلام الموالي لواشنطن.

أهمية العودة السورية في ظل التغيرات الإقليمية
أتت عودة سوريا إلى الساحة العربية تزامنًا مع تغيرات إقليمية ودولية فرضت نفسها على القرار العربي والعالمي، إذ لا يمكن قراءة ما حصل بعيدًا عن الأخذ بعين الاعتبار تأثيرات هذه التغيرات الحالية والمستقبلية.

ورغم وجود تحفظ لدى بعض الأطراف العربية حول العودة السورية، إلا أنه من المؤكد أن هذه العودة ستشكل عاملًا مهمًا في توازنات القوى، وهي تعتبر داعمة أساسية لزيادة مساحات التفاعل والتعاون العربي – العربي.

فضلًا عن ذلك، فإن لسوريا ثقلها الكبير في معالجة القضايا العربية من منظور مختلف، وهي لا تقل أهمية عن كل من العراق ومصر وغيرهما من الدول العربية الوازنة، مما سيؤثر بالتالي على العديد من الملفات بالمنطقة. وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى أن سوريا تنطلق الآن ضمن مرحلة إعادة إعمار ما دمرته الحرب الكونية التي شنت عليها، وهذه العودة التي تزامنت مع عملية إعادة الإعمار ستسمح بتضافر الجهود أكثر والتكاتف العربي مع سوريا على نحو أوسع وأشمل، وما يتبع ذلك من تعاون إستراتيجي في المرحلة اللاحقة وعلى كافة المستويات.

بالإضافة إلى ما ذكر، فإن أحد أهم الأهداف التي حملتها عودة سوريا هو إفشال المخطط الأميركي – الإسرائيلي، إذ كان هدف هذا المخطط منذ البداية عزلها عن المحيط العربي بسبب مواقفها الداعمة للمقاومة وانتهى بانتصارها في هذه الحرب، ورغم ما حدث وما سيحدث، فإن سوريا بقيت وستبقى رافضة للتطبيع ولصفقة القرن.

لم يكن أمام الدول العربية من خيار سوى العودة إلى سوريا، بعد كل محاولات عزلها وإبعادها عن محيطها العربي الذي كانت محط رحاله والأساس في عروبته ومقاومته، سوريا التي خرجت اليوم رغم الحرب والوحشية والدمار، منتصرة شامخة ثابتة مقاومة حاضنة لأخوتها العرب، وقد قالها الرئيس بشار الأسد في تصريحه الأخير، أنّه” ليس مستعجلًا للعودة إلى الجامعة العربية، لكنّه مستعدٌّ لتنظيم العلاقات الثنائية مع الدول العربية من دون أيّ شرط”.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد