أيام قليلة مضت على حلول اليوم العالمي لمكافحة ظاهرة “الإسلاموفوبيا” أو ما يسمى “رهاب الإسلام”، والذي حدد في الخامس عشر من شهر آذار من كل عام، كخطوة أولى لمكافحة العنصرية الثقافية التي يتعرض لها المسلمون في العالم ولا سيما في أوروبا، بحكم أن القارة العجوز سجلت أعلى نسبة لانتشار هذه الظاهرة.
هذا الانتشار الكبير والمخيف لظاهرة الإسلاموفوبيا يطرح العديد من الأسئلة عن مدى وجود أرضية خصبة لانتشارها ضمن ظروف محفِّزة ومشرِّعة، وعن مستقبل هذه الظاهرة وتأثيرها على الشعوب الإسلامية في ظل الظروف المقلقة التي يشهدها العالم.
التقرير الأوروبي للإسلاموفوبيا: أرقام مقلقة وصادمة
صدر منذ أيام قليلة التقرير السنوي للإسلاموفوبيا في أوروبا عن العام 2022، والذي ألقى الضوء على أحوال المسلمين فيما يقارب 23 دولة أوروبية، وأوضحت الأرقام الصادرة في التقرير أن معاداة المسلمين في البلدان الأوروبية قد اكتسبت طابعًا مؤسسيًا.
ووفق المعطيات الواردة، فقد تبين أن 3 دول أوروبية (فرنسا والنمسا والدانمارك) ظهرت بأنها الأكثر ضعفًا بالنسبة للمسلمين خلال عام 2022، كما أن الدول الأخرى شهدت أيضًا ارتفاعًا في معدلات جرائم الكراهية ضد المسلمين، والجرائم العنصرية لا سيما في (هولندا، اليونان، ألمانيا، فنلندا).
فضلًا عن ذلك، فقد تم لحظ ارتفاع واضح في نسبة الاعتداءات المتكررة على المساجد، إذ وفقًا للتقرير فإن ما نسبته 35% من المساجد في المملكة المتحدة وحدها، والبالغ عددها أكثر من 1800 تتعرض سنويًا لاعتداء واحد على الأقل، كما وقد شكلت معاداة الإسلام 20% من خطابات الكراهية في وسائل التواصل الاجتماعي في إسبانيا.
وفي هذا الإطار، أشار أنس بيركلي، الأستاذ في الجامعة التركية الألمانية، ومقرها مدينة إسطنبول، والمحرر المشارك في التقرير الأوروبي للإسلاموفوبيا، وفي مقابلة مع وكالة أناضول، إلى “أن تطبيق أنواع مختلفة من القوانين، مثل حظر الأذان والمساجد والحجاب والبرقع، كل عام، أصبح أمرًا طبيعيًّا أكثر فأكثر في أوروبا”. وأضاف “في كل عام، نرى بلدًا جديدًا في أوروبا يتوصل إلى خطة جديدة، عبر قانون جديد أو حزب يحظر ممارسة دينية ما للمسلمين”، وأنه “هناك نقاشات في أجزاء مختلفة من أوروبا لإضفاء الشرعية على الإسلاموفوبيا”.
مستقبل المسلمين في أوروبا أكثر صعوبة
بات من الواضح إذًا ووفقًا للمعطيات التي ذكرها التقرير أن وجود المسلمين في القارة الأوروبية يواجه اليوم وأكثر من أي وقت مضى تحديات كبيرة وأكثر تعقيدًا، وهذه التحديات لن تقتصر فقط على مستوى الأفراد، بل تمتد لتشمل أيضًا كافة المؤسسات والمنظمات غير الحكومية الإسلامية التي تعمل على مكافحة ظاهرة الإسلاموفوبيا، لا سيما في فرنسا، حيث كانت تتعرض لضغوط هائلة من الحكومة التي أغلقت العديد منها دون أي دعوى قضائية أو دليل على التطرف.
وفي هذا المجال، رأى بيركلي أن هذا الجو من الشك حول المسلمين ومؤسساتهم ومساجدهم وحياتهم الدينية يغذيه “السياسيون والإعلام والمثقفون في هذه البلدان. ولسوء الحظ، أصبح هذا مقبولًا وطبيعيا أكثر فأكثر”.
وبالعودة إلى التقرير الصادر، فقد تحدثت التوصيات عن ضرورة الاعتراف برهاب الإسلام على أنه مشكلة سياسية قبل كل شيء، ليتم من بعدها التعامل مع الظاهرة واتخاذ الإجراءات الخاصة بمكافحتها على هذا الأساس، فضلًا عن أهمية التسجيل اليومي لممارسات الكراهية ضد المسلمين، وكذلك نشر البيانات على أساس سنوي.
ويقدم التقرير توصيات للمنظمات غير الحكومية والأكاديميين للعمل على الإسلاموفوبيا من وجهات نظر مختلفة، وإجراء البحوث الميدانية.
لقد باتت معالم “الإسلاموفوبيا” أكثر وضوحًا وانتشارًا وتعمقًا في المجتمعات الأوروبية عامًا بعد عام، وهي وإن ادّعت يومًا الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحرية الدينية والشخصية، إلا أن واقع هذه المجتمعات لا يزال يظهر صورة مغايرة تمامًا ومناقضة وأكثر عنصرية لكل القيم والحريات الإنسانية، والدليل القاطع أنها لا زالت تمضي قدمًا في طريق تشريع هذه الظاهرة وتثبيتها.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.