نيفين قطيش – خاص الناشر |
6 شباط 2023، هو يوم مشؤوم أصاب شعوب العالم كافة. زلزال ضرب جنوبي شرقي تركيا قرب الحدود السورية وأجزاء واسعة من شمالي وغربي سوريا، خلّف وراءه ما يزيد عن أكثر من 3500 قتيل من تركيا وسوريا في إحصاء أولي. وتلا الحادثة انقسام دولي حول مساعدة سوريا في حين اجتمعت كل دول العالم على تقديم العون للدولة التركية. وبذلك فرضت هذه الحادثة مرة أخرى ازدواجية القيم والمعايير نفسها على الساحة الدولية. فبعد الدعم الذي لقيته أوكرانيا من قبل الدول الغربية في مقابل تخاذل غربي أمام واقع فلسطيني مهمش يعيش فيه الشعب الحرب والاحتلال والحصار والظروف نفسها منذ عقود من الزمن دون رأفة أي من هذه الدول، ها هي اليوم تتجسد من جديد في كارثة انسانية هي الأبشع والأكثر ألمًا منذ زمن والتي أودت بحياة الآلاف من السكان وأوقعت الآلاف من الجرحى مع تشريد العائلات ودمار أحياء بأكملها في مشاهد تدمي القلوب.
وكان اللافت أمام هذا المشهد المهيب، انقسام الدول أمام هذه الكارثة التي حلّت، حيث هبّت الدول والقوى الكبرى لمناشدة ومساعدة الدولة التركية لتخفيف وطأة ما حلّ بها من خسائر وسارعت لإرسال المساعدات سواء المادية أو العينية، في الوقت الذي تقبع فيه مدن حلب والشمال السوري دون معين. هذه المدن، التي شهدت الحرب والقتل والذبح والغرق وكل الأشكال التي تعبر عن الظلم واللا إنسانية، ها هي اليوم أمام هذا المصاب المروع تناشد دون أحد يسمع، فلا تزال الجثث قابعة تحت الدمار وصراخ النساء والأطفال يعلو من كل زاوية، وقد اختارت أغلب الدول الإسراع إلى تركيا لإنقاذها وتغافلت في المقابل عن سوريا، في الوقت الذي يعايش فيه البلدان الوجع نفسه. كل ذلك هو نتيجة للخضوع والرضوخ للسياسات الغربية لا سيما الاميركية التي صاغت قانون قيصر الذي حرم الفئات الاجتماعية السورية كافة من أدنى سبل الحياة الكريمة وأدنى حقوقهم بحجة معاقبة النظام، هذه السياسة التي انتهجتها الولايات المتحدة منفردة بحق شعب عانى من الحرب ما يتجاوز الاثني عشر عامًا لتضعه أمام حصار يورث شعور ذبح الدجاجة بالقطنة.
هذا الواقع الصعب، لم يدفع سوى مجموعة صغيرة من الدول إلى المبادرة لمد يد العون للمدن السورية المنكوبة والاعتماد على المبادرات الفردية التي تحاول قدر الإمكان أن تساهم في بلسمة آلام من هم تحت الركام، فتحولت مواقع التواصل الاجتماعي لمنصات لجمع التبرعات من قبل الأفراد والمؤثرين الذين بادروا إلى إطلاق حملات تبرع داعمة للشعبين التركي والسوري، والسوري بشكل خاص، والذين بدأوا بحملات للمطالبة برفع العقوبات عن سوريا، في ظل تخاذل دول عدة تخشى من عصا الأميركي وتتجرد من انسانيتها مقابل الحفاظ على صورتها أمام تلك القوة الامبريالية.
وكان من بين الدول التي مدّت يد العون: الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الجزائر، العراق، لبنان، مصر، تونس، روسيا، الإمارات، باكستان، الأردن، ليبيا، عمان، في ظل تقاعس غربي لا يمكن إخفاؤه، هذا الغرب الذي احتل مدننا واستعمر دولنا ولا يزال يحاول أن يفكك منطقتنا ويستحوذ على ثرواتنا تحت شعارات حماية حقوق الانسان وتكريس الديمقراطية.
ولكن أين هو هذا الغرب اليوم أمام هذا الوضع الكارثي الذي يعانيه الشعب السوري؟ وأين حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية أمام تطبيق قانون قيصر في أكثر المواقف الانسانية ألمًا وقسوة؟ وما هذه الازدواجية في المعايير التي تفرض مساعدة دولة منكوبة على حساب دولة أخرى تعاني النكبة ذاتها؟
أين هذه الدول اليوم، وهي التي رسمت الخطوط العريضة لحماية المدنيين في الفصل التاسع في مجال تعزيز وحماية حقوق الإنسان في أوضاع ما بعد الكوارث، وتركيزها على مراعاة منظور حقوق الإنسان في الجهود المبذولة لتحقيق الإغاثة والانتعاش وإعادة الإعمار؟
كما أن كل الحجج الأميركية والتبريرات حول تسهيلها للمساعدات وأن قانون قيصر يستثني المساعدات الإنسانية والدوائية هو أمر غير صحيح، لأن الدواء ممنوع عن السوريين، وسوريا بسبب العقوبات مرفوعة عن النظام المصرفي العالمي، فبالتالي من غير الممكن لأحد تحويل الأموال للمصارف السورية في ظل غياب نظام سويفت، فلا أفراد ولا مؤسسات إغاثية تستطيع تقديم المساعدة.
وعليه لا بد من خطوات فاعلة من قبل الدول التي لا تزال تتمتع بحريتها الحقيقية وكرامتها بأن توّحد جهودها وقدراتها أمام اختبار الانسانية في سوريا، في سبيل استغلال هذه الحادثة الأليمة لاتخاذ الخطوات كافة التي من شأنها أن تحدث صدعًا في جدار “قيصر” وتكون مساعداتها ودعمها للجمهورية العربية السورية المسمار الأول في نعش هذا القانون، علّ هذا الزلزال، رغم كل مآسيه، يكون نفحة من الرحمة الإلهية التي ستلامس المواطنين السورية لتزيل الحصار الذي يعانون منه منذ سنوات.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.