وصلت مفاوضات الأسبوعين الماضيين بين صنعاء والرياض إلى نقاط مشتركة، واتفاقات شبه نهائية، بخصوص صرف مرتبات الموظفين المدنيين والعسكريين في المحافظات الواقعة تحت سيطرة المجلس السياسي الأعلى لصنعاء، وتوسيع وجهات رحلات مطار صنعاء إلى عدة دول، ورفع الحصار كليًا عن ميناء الحديدة، كقضايا إنسانية عاجلة لا تحتمل التأخير، وتنفيذها يعزز عوامل بناء الثقة، وإثبات حُسن النوايا بين الطرفين.
إلا ان هذا التقارب الذي يحقن الدماء، ويؤسس لإيقاف العدوان البربري، ويرفع الحصار الجائر على الشعب اليمني، لم يرق لقوى الشر والعدوان من واشنطن إلى لندن حيث خرج السفير البريطاني لدى اليمن المقيم في المملكة السعودية “ريتشارد أوبنهايم” مغردًا بالقول “تدعم المملكة المتحدة الحكومة اليمنية في الإجراءات الاقتصادية المتبعة لتجنب تبعات الهجوم الحوثي. نعمل معًا مع السفراء الأشقاء لمساعدة الحكومة اليمنية على تلافي التبعات الاقتصادية والمضي قدماً”.
بهكذا تصريحات تحريضية تدعم عودة الاقتتال والصراع، تثبت المملكة العجوز انها لا تزال تطمح لإعادة أحلامها الاستعمارية القديمة في الهيمنة على جنوب الوطن، خصوصًا بعد تقاسمها النفوذ مع أمريكا، وتسلمها الملف اليمني من الأخيرة في إطار تقاسم النفوذ بينهما.
لكن امبراطورية الأمس التي كانت لا تغيب عنها الشمس الطامحة لإعادة امجادها البائدة، نسيت أو تناست كيف أنها احتلت الشطر الجنوبي من اليمن وهي أضخم إمبراطورية في تاريخ العالم والقوة العالمية الأولى ويقع تحت حكمها ما يقارب نص مليار إنسان وتسيطر على 24% من نسبة مساحة الكرة الأرضية، إلا ان اليمنيين ظلوا يقاومونها بالحديد والنار على مدى 13 عقدًا من الزمن، ولم ينعم ابناء اليمن الثائرون على المحتل بالراحة إلا بعد التحرير الكامل لجنوب البلاد وانتزاع الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م، وقد تحولت تلك الامبراطورية إلى دول مفككة متناحرة تتحسر على أمجاد ماضيها الاستعماري الإجرامي.
اليوم تحاول المملكة المتحدة إطالة امد الحرب العدوانية على اليمن، لضمان بقاء مصالحها والامتيازات التي تحصل عليها من ثروات الشعب اليمني مقابل دعمها السياسي والعسكري الذي تقدمه لتحالف العدوان السعودي الإماراتي وقوى الارتزاق اليمنية، لكن هذا المحاولات تضع الرياض في وضع صعب فإما أن تمضي استكمال التفاهمات القائمة بينها وبين صنعاء ووضع الاليات التنفيذية والضمانات المطلوبة، او التنصل والمماطلة كما هي عادة المملكة منذ بداية العدوان قبل ثماني سنوات، ومحاولة اللعب على عامل الوقت معتقدًا صعوبة عودة التصعيد العسكري بعد توقفها لأشهر طويلة. الأمر الآخر محاولة ربط المصالحة مع طهران بالتزامن مع الاتفاق مع صنعاء لأجل إعادة تصدير ادعاءاتهم السخيفة الكاذبة أن إيران هي صاحبة القرار وبمجرد المصالحة معها تم التوافق مع صنعاء.
لكن مشكلة تلك المراوغات السعودية كلها أنها مفضوحة امام القيادة اليمنية التي تعمل على إفشالها بطرق مختلفة من خلال الضغط السياسي، والتفاوض إلى الرد العسكري غير المعلن، مما يجعل القيادة السعودية مرغمة على المضي في طريق سلام حقيقي ملموس، أو العودة إلى التصعيد العسكري الذي سيكلف المملكة الكثير، ويعيد مصالحها الحيوية إلى دائرة الخطر والاستهداف اليمني، ويوقف كل المشاريع الكبرى التي يحاول محمد بن سلمان تحقيقها من خلال رؤية 2030 الحالمة، لذلك الخيارات المتاحة امام المملكة وقيادتها محدودة وضيقة وعليها أن تختار قبل فوات الأوان.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.