اندلعت هذه الحرب التي انطلقت نصرةً للمسجد الأقصى والمرابطين فيه، ونصرةً للسائرين على درب تحريره وعدم السماح بتهويده، فكانت بدايتها تذكير الاحتلال الإسرائيلي بأنه مهما حاول أن ينسي عرب الداخل والضفة الغربية، وغزة بحقوقهم المسلوبة ويوهمهم بأن الاحتلال أصبح دولةً تحت أمر واقع، إلا أنه لن يستطيع أن يحرف هذا الشعب عن بوصلة قبلته الأولى، وأن جيلًا جديدًا من أبناء الحجارة ما زال مستعدًّا لأن يروي بدمائه تلك البقعة المقدسة دفاعًا عنها.
ولم يتوقف الأمر عند الشعب الفلسطيني الحر، فأحداث القدس وقرار غزة دخولها بدائرة الدفاع عن القدس، فجَّرت أصوات الملايين من المسلمين لتصدح لنصرته، ومستعدة للدفاع عنه، ليوجهوا رسالةً ثانية للاحتلال؛ بأنه مهما خان قادة العرب وساروا في ركب التطبيع، ومهما نكَّلوا بشعوبهم؛ فإن تلك الشعوب ما زالت واقفةً على ناصية التحرر والتحرير ليس من الاستبداد فقط، وإنما سيكون للقدس نصيبها من التحرير.
وما إن تسارعت الأحداث في «سيف القدس» إلا وانكشف اللثام عن بعض الأضرار التي لحقت بدولة الاحتلال من خلال بعض الإحصائيات، التي تتكلم عن الأضرار المباشرة وغير المباشرة على اقتصاد دولة الاحتلال.
فخرجت بعض الأرقام بحسب الصحف التابعة للاحتلال التي تتحدث عن الأضرار المباشرة فكان أولها بيان اتحاد المصنعين التابع لدولة الاحتلال، والذي بيَّن أن أكثر من 160 مليون دولار هي الأضرار التي لحقت بالقطاع الصناعي خلال الثلاثة أيام الأولى من بدء العملية العسكرية التي صعدها الاحتلال.
ولم يقتصر الأمر على الأضرار التي لحقت بالقطاع الصناعي، والتي كانت تتضاعف مع كل يوم تستمر فيه الحرب، بل القطاع النفطي كان له نصيب من صواريخ غزة فقد توقفت أعمال استخراج الغاز الطبيعي في منصة «تمار» التابعة لشركة أمريكية موجودة في البحر المتوسط بسبب الخوف من استهدافها من قِبل غزة، بعدما تم استهداف خطوط أنابيب النفط بين عسقلان وإيلان ونشوب حرائق ضخمة.
وفيما يتعلق بقطاع السياحة؛ فإنه تم إلغاء أكثر من 40 رحلة جوية نحو دولة الاحتلال خلال الأيام الأولى لحملة الاحتلال العسكرية، ولاحق ذلك توقف حركة المطارات من تل أبيب وإليها، ومن وسط دولة الاحتلال إلى جنوبها، ناهيك عن التخبط الذي حصل في الرحلات الجوية نتيجة لتغيير مسارها، وبعد أن أعلنت الفصائل في غزة أن مطارات الاحتلال وكل نقطة من شمال فلسطين إلى جنوبها هي في مرمى صواريخها بعدما تم الكشف عن صاروخ «عياش» بعيد المدى 250 كم، تم إلغاء الرحلات الجوية بشكل فوري من قِبل شركات طيران عالمية، التي كانت مقررةً إلى دولة الاحتلال مما يبين تضرر موسم السياحة.
وإذا ما تحدثنا عن تكلفة اعتراض دولة الاحتلال للصواريخ التي تنطلق من غزة؛ إذ أطلقت الأخيرة أكثر من 4000 صاروخ خلال معركة «سيف القدس، فإن كل صاروخ يطلق من غزَّة يكلِّف الاحتلال 100 ألف دولار بحسب صحيفة تابعة للاحتلال، والتي تحدثت عن تكلفة الاحتلال لبطاريات القبة الحديدية خلال حرب غزة عام 2014م، وإذا ما تحدثنا عن تكلفة المجهود الحربي، وتكلفته قد وصل أول ثمانية أيام من الحرب إلى 290 مليون دولار.
أما عن الأضرار غير المباشرة على اقتصاد الاحتلال فقد حذرت وكالة «فيتش» المتخصصة بالتصنيف الائتماني أن الحرب التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة، ورد الفصائل على اعتداءات الاحتلال، سيكون له أثر سلبي على التصنيف السيادي لدولة الاحتلال، وأن المخاطر الاقتصادية والسياسية والأمنية لها تأثير طويل الأمد على اقتصاده ويمكن أن يكون ذلك دافعًا نحو تقييم سلبي.
ولم يتوقف الأمر على الأضرار المباشرة وغير المباشرة؛ فالأضرار النفسية، والتي لم يتكلم عنها الكثير والتي تتمحور حول الخوف الذي يرقد في نفوس المستوطنين بشكل عام واختبائهم في الملاجئ، والإجراءات التي لم تكن بالحسبان من استدعاء الاحتلال لقوات الاحتياط وما سينتج عنها من تأثير سلبي على نفسية شباب المستوطنين، الذين كانوا يعيشون حياة شبه طبيعية بعدما تم خروج دولة الاحتلال من تهديدات فيروس كورونا، وعمليات الإغلاق التي شملت أغلب دول العالم.
وكان على قيادات الاحتلال أن تفتعل الحروب كل فترة ليبقوا شعبهم – الذي كان مشتتًا، و أتى ليقيم دولة على أنقاض دولة أخرى ودماء شعبها – تحت ذلك الخنوع لهم؛ بإيهامهم بأن دولتهم المزعومة دائمًا في خطر محدق، وكيف لا وهم الذين اغتصبوا حقوق غيرهم، لتنتهي تلك الحرب بانتصار غزة، وفشل حكومة الاحتلال التي خاضت الحرب على غزة بتشكيل حكومة جديدة، وخروجها من مشهد حكم الدولة المزعومة إلى زاوية المعارضة.
ساسة بوست
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.