کتب الباحث والخبیر الاقتصادي “محمد قهرماني ” في مقال نشر له على موقع مركز دراسات “جریان” الإیرانیة عن هیمنة الدولار الأمیرکي علی العالم ومحاولة الصین في الخروج من الهيمنة الأمریکیة الاقتصادية، باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم، من خلال الاستخدام المحلي للعملة الرقیمة، وتصمیم استخدامه في النظام المالي العالمي. وفي هذا الصدد، ومع تعدد مكونات القوة لدى الولايات المتحدة لا يتوقع المرء حدوث تغير في مصير الدولار بين عشية وضحاها، لكن لا یمکن تغافل انخفاض دور الدولار، او احتمالية استبداله بعملات أخرى في المستقبل.
الترجمة الكاملة للمقال:
بعد الحرب العالمية الثانية، لعبت هيمنة النظام المالي العالمي القائم على الدولار دورًا حاسمًا في التفوق الاقتصادي للولايات المتحدة في النظام الدولي. في الوقت نفسه، أصبحت هذه الأداة الاقتصادية مؤثرة جدًا في دفع أجندات واشنطن السياسية والجيوسياسية، لكن هذا المسار قد تغير مع ظهور أقطاب جديدة للقوة في النظام الدولي، الذين وجدوا أنفسهم أمام هذا الأداة. وبالنظر إلی تزايد النهج الأحادي الأمريكي، لا سیما في إطار العقوبات الاقتصادية، حصلت موجة واسعة من الاستياء حيث قامت جهات فاعلة مختلفة، علی مستوی الفكر والعمل، بتحدید آلیة للخروج من هذه الهيمنة كهدف رئیسي لهم. ينطبق هذا الأمر بشكل خاص على الدول التي تعرضت للعقوبات الأمريكية أكثر من سواها.
بالتزامن مع تصاعد التوترات والمنافسة بین الشرق والغرب، أعلنت دول مثل روسيا والصين عن رغبتها في القضاء على الدولار أو التقليص من دوره. وفي هذا السیاق، أعلن وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” قبل زيارته إلی الصين، الحاجة إلى تقليل اعتماد البلدين على الدولار الأمريكي وأنظمة الدفع الغربية. إلا أن هذا الأمر لا يقتصر على الصين وروسيا فقط. فكذا تفعل دول البريكس، على سبيل المثال، التي تريد تطوير نظام الدفع العالمي الجديد حیث یمکن أن يتحدى شبكة الدفع الدولية الـ Swift.
في غضون ذلك، وبالنظر إلى التطورات الرئيسية في النظام الدولي، يمكننا القول إن الصين لديها أكبر إمكانات لتحدي النظام المالي القائم على الدولار. حيث تعد بكين حاليًا ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ومن المتوقع أن تصبح القوة الاقتصادية الأولى في العالم في العقد المقبل.
إن الهياكل الجديدة للصین بإمكانها أن تنشئ قواعد ومعايير اقتصادية جديدة للبلد، حیث تکون مختلفة بشکل عام عما کانت عليه غالبا في العقود الماضیة. یمکن أن تقدم قواعد ومعايير اقتصادية جديدة تتعارض مع المعايير المقدمة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
تمکنت الصین من تحدي الدولار بجدية في النظام المالي الدولي، ويمكن رؤية هذه الجهود في تطوير عملة اليوان الرقمي. يعتبر بنك الصين الشعبي حاليًا أكثر تقدمًا في تطوير العملة الرقمية من أي بنك مركزي رئيسي آخر في العالم.
لا تبحث بكين عن الاستخدام المحلي للعملة الرقمیة فحسب، بل تبحث أيضًا عن تصميم لاستخدامه في النظام المالي العالمي، حیث يلعب فيه الدولار دورًا مركزيًا. يمكن لهذا الإجراء، إلی جانب تطوير استخدام العملة الوطنية في العلاقات مع البلدان الأخرى، أن تلعب دورًا حاسمًا في نهاية المطاف في تهميش الدولار في المعاملات العالمية. يمكن رؤية ذلك بوضوح في العلاقات مع موسكو.
على سبيل المثال، في عام 2015، كان حوالي 90٪ من المعاملات الثنائية الصینية والروسیة بالدولار، بينما في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2020، انخفض هذا المعدل إلى 61 بالمئة.
كما اتخذت روسيا هذا النهج في طليعة تعاملاتها التجارية، لا سیما مع تصاعد التوترات مع الغرب وفرض العقوبات الأمريكية والأوروبية علیها ووفقًا لتصریحات “كريل دميرييف”، رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي، ارتفعت حصة الدولار من مدفوعات التجارة الخارجية لروسيا من 92 في المائة إلى 50 في المائة في السنوات الأخيرة.
في غضون ذلك، ارتفعت التجارة الدولية بالعملة الروسیة (الروبل) من 3٪ إلى 14٪. فإذ أضیفت لهذه التطورات، الأرقام الأخيرة التي قدمها صندوق النقد الدولي، أصبح الموضوع اکثر دهشة. وبحسب الإحصائيات، بلغت حصة احتياطيات الدولار الأمريكي في البنوك المركزية في الربع الأخير من عام 2020 59٪، وهو أدنى مستوى منذ 25 عامًا.
ومع ذلك، على الرغم من هذه التغييرات، لا يمكن القول إننا سنشهد قريبًا سقوط هيمنة الدولار في المعاملات العالمية. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال النظر إلى التاريخ. في عام 1880، على سبيل المثال، شكلت بريطانيا 22.9 في المائة من الإنتاج العالمي، وفي عام 1913 انخفض هذا الرقم إلى 13.6 في المائة.
لكن حصة الولايات المتحدة من الإنتاج العالمي ارتفعت من 14.7 في المائة إلى 32 في المائة خلال نفس الفترة. عام 1880 كانت حصة بريطانيا من التجارة العالمية في 23.2 في المائة، لكنها انخفضت إلى 14.1 في المائة بين عامي 1911 و1913.
أيضًا، مع انخفاض الإنتاج الصناعي البريطاني، ارتفعت حصة الولايات المتحدة من الإنتاج الصناعي العالمي من 7.2 في المائة عام 1860 إلى 18.5 في المائة عام 1900 و39.3 في المائة عام 1928.
ومع ذلك، ظلت العملة البريطانية العملة الرئيسية في العالم لعقود قادمة. تقودنا هذه المقارنة التاريخية إلى انه؛ ومع تعدد مكونات القوة لدى الولايات المتحدة لا يتوقع المرء حدوث تغير في مصير الدولار بين عشية وضحاها، لكن لا یمکن تغافل انخفاض دور الدولار، او احتمالية استبداله بعملات أخرى في المستقبل.
ترجمة مركز الاتحاد للابحاث والتطوير
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.