نشرت مجلة «ناشيونال إنترست» مقالًا كتبه كيل ميزوكامي، وهو كاتب مهتم بالشؤون الدفاعية والأمن القومي، يستعرض فيه السيناريو المرعب لنشوب حرب بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. ويرى الكاتب أنه على عكس العمليات التي نفذتها القوات الأمريكية مؤخرًا، تواجه واشنطن مخاطر كبيرة لا حصر لها، لأنها تقاتل ضد خصم يتفوق عليها من حيث العدد.
جيش كوريا الشمالية: حقائق جغرافية
يستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى أن مساحة كوريا الشمالية أكبر بقليل من ولاية أوهايو الأمريكية، وتحدُّها كوريا الجنوبية جنوبًا والبحر الأصفر غربًا وبحر اليابان شرقًا، ومن ناحية الشمال، تتقاسم كوريا الشمالية 880 ميلًا مع الصين وتتقاسم مساحة أصغر أخرى مع روسيا، وتجدر الإشارة إلى أن الحدود الجنوبية مُحصَّنة بشدة، في ظِل وجود منطقة منزوعة السلاح تفصل الكوريتين ويبلغ طولها 2.5 أميال، ويقيم نحو عُشر سكان كوريا الشمالية في العاصمة بيونج يانج، فيما يقيم بقية السكان بصفة أساسية في مدن تطل على كلا الخطين الساحليين، والتي غالبًا ما يفصل بينها الماء أو التلال أو التضاريس الوعرة.
ويجب أن يضع أي غزو لكوريا الشمالية في اعتباره هذه الحقائق الجغرافية، وتجدر الإشارة إلى أن الجيش الشعبي الكوري الذي يتألَّف من 1.2 ملايين جندي ينقسم إلى 19 وحدة بحجم فيلق، بما في ذلك تسعة فيالق مشاة، وأربعة فيالق ميكانيكية، وفيلق مُدرَّع، وفيلق مدفعية وقيادة بيونج يانج الدفاعية، ونظام توجيه الصواريخ، ونظام توجيه إرشادات المشاة الخفيفة، ويتمركز أكثر من نصف هذه القوات، لا سيما القوات الميكانيكية وقوات المُدرَّعة والمدفعية، بالقرب من المنطقة المنزوعة السلاح، ما يجعل شنَّ هجوم مبكِّر عبر الحدود غير مُحبذ.
وتُعد الحرب الكورية فريدة من نوعها لأن الحرب اندلعت بالفعل فوق هذه الأرض ذاتها، ضد العدو نفسه، في حرب تقليدية إلى حد كبير، ويشير إرث هذه الحرب إلى أنه إذا كانت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية ترغبان في غزو كوريا الشمالية، فسوف يُمثِّل شنَّ هجوم برمائي الضربة الافتتاحية، وتمتلك كوريا الشمالية خطًّا ساحليًّا يبلغ طوله 1550 ميلًا، ومع أن هذه المنطقة ليست مناسبة بأكملها لشن عمليات برمائية، فإن بيونج يانج تمتلك كثيرًا من المناطق الأخرى الصالحة لشن هذه العمليات.
كوريا الشمالية: أهداف واضحة
وبحسب المقال، يتمثَّل أحد الأهداف الواضحة لشنِّ الغزو في مدينة وونسان الساحلية، نظرًا إلى أن هذه المدينة تقع على الساحل الشرقي في البلاد، وتتخذ من المنطقة المقابلة للعاصمة بيونج يانج على نحوٍ طولي موقعًا لها، فضلًا عن وجود طريق جيد يربط بين المدينتين، وتُعد هذه المنطقة موطنًا لسلاحي الميكانيكية والمشاة التابعين لكوريا الشمالية، ما يجعلها قطاع غزو غير مثالي، ولكنَّ ميناء وونسان والمطار القريب منه سيوفِّران نقطة انطلاق أساسية لشنِّ هجوم على قلب البلاد.
وقد تُنفِّذ قوة استطلاع تابعة لسلاح مشاة البحرية الأمريكية ويكافئ حجمها حجم لواء مُعزَّز، وهي قوات مُستمدَّة من القوات الموجودة في جزيرة أوكيناوا وولايتي هاواي وكاليفورنيا، هذه العملية من خلال تعزيزها بحاملة طائرات من طراز «يو إس إس رونالد ريجان».
وفي الوقت ذاته الذي تقصف فيه قوات المشاة التابعة للبحرية الأمريكية الشاطئ المُطِل على الساحل الشرقي، سيشنُّ سلاح المشاة التابع للبحرية الكورية الجنوبية هجومًا برمائيًا جنوب بيونج يانج وشمال المنطقة المنزوعة السلاح، وسيتمثَّل هدف هذه القوات في إحكام السيطرة على بيونج يانج نفسها بغية تحييد القيادة الكورية الشمالية في وقتٍ مُبكِّر، وسيكون هذا الهجوم صعبًا، ولكن سيسبقه خطة طارئة وضعتها كوريا الجنوبية وأطلقت عليها «كيل تشين»، ما يلقي بصورة مثالية بدفاعات كوريا الشمالية في حالة من الفوضى.
ويرى الكاتب أن السيطرة على بيونج يانج ستتسبَّب في ذُعر القوات الكورية الشمالية المتمركزة على طول الحدود والتي من المُرجَّح أن تزحف شمالًا لدى إدراكها بأنها أصبحت معزولة عن قيادتها، وستنفِّذ قاذفات وطائرات هجومية تابعة للقوات الجوية الأمريكية والقوات الجوية الكورية الجنوبية التي تُحلِّق من جزيرة أوكيناوا واليابان وكوريا الجنوبية وجزيرة جوام، مهمات اعتراضية، ما سيسفر عن قصف السرايا المُدرَّعة والميكانيكية التي ستتحرك لمواجهة الغزاة، ومن المُرجَّح أن يمثِّل هذا الوضع أفضل فرصة، بخلاف المعارك البرية، لتدمير أعداد كبيرة من قوات الجيش الكوري الشمالي، ومع ذلك، يُعد اكتشاف القوات الكورية الشمالية أثناء تحركها في التضاريس الجبلية الكثيفة أمرًا صعبًا.
ونظرًا إلى انسحاب القوات الكورية الشمالية من المنطقة المنزوعة السلاح، ستشن القوات العسكرية الأمريكية والكورية الجنوبية هجمات عبر الحدود بهدف إقامة روابط مع قوات المشاة التابعة للبحرية الأمريكية والكورية الجنوبية، ولن يكون الهجومان على حدٍّ سواء سهلَين ولكنَّ القوات الكورية الشمالية، المحاصرة في كلتا الحالتين بين قوتين بريتين كبيرتين والمطارَدَة جوًّا، قد تتكبد خسائر فادحة. وفي الوقت ذاته، قد تشن القوات الخاصة الأمريكية والكورية الجنوبية غارات على منشآت كيميائية وبيولوجية ونووية معروفة، لا سيما المنشآت النووية، بغية منع استخدامها أو اختفائها في أيدٍ مجهولة.
وسيكون الربط بين الحملتين المتمركزتين على سواحل متعارضة أمرًا صعبًا، وعلى غرار الجيش الثامن والفيلق العاشر خلال الحرب الكورية الأولى، من المرجَّح أن تظل الحملتان منفصلتين. وستحتاج كلتا الحملتين إلى الإسراع شمالًا لتأمين الحدود مع الصين وروسيا، ولكنهما ستمثِّلان أيضًا الخطر ذاته: إذ سيؤدي هذا الإجراء إلى تدخُّل صيني (أو روسي) مباشرة ضد القوات الأمريكية والكورية الجنوبية.
وقد تقيم القوات الصينية منطقة عازلة داخل كوريا الشمالية لمنع اللاجئين وعناصر من الجيش الشعبي الكوري من دخول الصين، وفي نهاية المطاف، لا يعرف أحد ما ستفعله الصين، ولكن التهديد باندلاع حرب مفتوحة وواسعة النطاق على منطقة آسيا والمحيط الهادئ بأكملها ينبغي أن يعطي الجميع مهلة للتفكير.
ثلاثة سباقات مع الزمن
ووفقًا للمقال، ستؤدي بداية الحرب إلى سباقات عديدة مع الزمن؛ يتمثَّل أولها وأهمُّها من وجهة نظر الولايات المتحدة في تحييد نظام كيم جونج أون وصواريخه البعيدة المدى وأسلحته الكيماوية. ويكمن السباق الثاني في أنه على الرغم من أن الانتصار التقليدي مُحقَّق، فإنه يجب أن تُسرِع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة بهزيمة الجيش الشعبي الكوري من أجل إعاقة أي جهود تهدف إلى تحويله إلى قوة متمردة مثل قوات «فدائيي صدام» في العراق.
والسباق الثالث هو أن واشنطن وسول يجب أن تصلا بسرعة إلى المدن الكورية الشمالية لتفادي حدوث كارثة إنسانية. ونظرًا إلى سقوط العاصمة بيونج يانج بسرعة في أيدي العدو، سيضعف الاقتصاد ونظام توزيع الغذاء في كوريا الشمالية، الضعيفان بالفعل، بسرعة، ما يتسبب في حرمان الملايين من الغذاء.
وينوِّه الكاتب في نهاية المقال إلى أن الحرب البرية مع كوريا الشمالية قد تُكون عملية مُعقَّدة للغاية، وستتسبَّب في وقوع خسائر عسكرية ومدنية كبيرة على كلا الجانبين، وفي الحقيقة، ستكون الحرب البرية مجرد جزء من صراع متعدد المجالات ومن المُرجَّح أن يتضمن هجمات صاروخية ضد جزيرة جوام واليابان وكوريا الجنوبية، وعمليات إيصال المساعدات وإزالة الألغام وعمليات بحرية أخرى تشارك فيها القوات البحرية الأمريكية والكورية الجنوبية واليابانية، بل تجهيز القوات الإستراتيجية الأمريكية أيضًا.
وبخلاف العمليات التي وقعت مؤخرًا، ستواجه القوات الأمريكية مخاطر جسيمة لا حصر لها، لأنها تقاتل ضد خصم يتفوق عليها عدديًّا. وعلى الرغم من أن المزايا التكنولوجية الأمريكية، لا سيما في مجالات الاتصالات والتنقل والأسلحة النارية، ستمكِّن القوات الأمريكية والكورية الجنوبية من الانتصار في نهاية المطاف، إلا أنه لن يكون هناك مجال لارتكاب أخطاء.
ساسة بوست
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.