يقول الصحفيون إن تويتر دخل مرحلة الموت السريري منذ ما يقارب عقدًا من الزمان. وقد لاحظ المراقبون تراجع أعداد المستخدمين أو يشعرون بموجة تحوّل غير متبلور تغلب عليه الكآبة ربما بشكل سابق غالبًا للأوان. وخلال هذا الأسبوع راقب الجميع ما يحدث بقلق وتوجّس. فبعد أن استحوذ على تويتر، أقال المالك الجديد إيلون ماسك كلا من الرئيس التنفيذي للشركة باراغ أغراوال والمديرين التنفيذيين الآخرين بما في ذلك فيجايا جادي، رئيسة الشؤون القانونية والسياسات والثقة. داخل الشركة وخارجها يسود شعور مروّع باقتراب الكارثة.
في وقت سابق، تجوّل ماسك في مقر تويتر في سان فرانسيسكو حاملاً حوضًا من البورسلان (لأغراض المحتوى) بينما كان يحاول في نفس الوقت إقناع العاملين في الشركة بأنه لن يقوم – كما ورد سابقًا – بتسريح 75 في المئة من الموظفين. أخبرني أحد موظفي تويتر الحاليين أن “التملق [وصل] لمرحلة متقدمة” حيث استقبل الموظفون القلقون ماسك في الردهة، غير متأكدين من خططه بخصوص شركته الجديدة ومكانتهم فيها.
خارج الشركة، يفكر المستخدمون المتمرسون في خطط الإنقاذ ويشاركون تقريرًا يفيد بأن تويتر بلغ بالفعل مرحلة حرجة جدًا. تمتلئ جداولي الزمنية بمدائح مخلصة للمنصة أو مخاوف من أنها ستتحول إلى نسخة من موقع “تشان 4” الآن بعد أن تولى ماسك زمام الأمور. يشتد حنين الناس إلى الماضي، ويشاركون أكثر المواضيع انتشاراً في التغريدات الجيدة. لخّصت المراسلة دارا ليند ما يحدث بإيجاز مشيرة إلى أن الأمر برمته يحتوي على “طاقة كبيرة جداً من ليلة التخييم الأخيرة”.
يبدو أنه من الحماقة محاولة التنبؤ بما سيفعله شخص زئبقي مثل إيلون ماسك – يحب التصيد وطرح الأفكار السخيفة في الأماكن العامة – بالمنصة. لكن من المستحيل تجاهل أن فترة ملكيته تمثل نقطة انعطاف للشركة، وربما للجيل الثاني من شركات التواصل الاجتماعي التي تضررت بسبب المعلومات المضللة وصفعات التكنولوجيا وتغيير السلوكيات عبر الإنترنت.
من الطبيعي أن تمر المنصات والشبكات الاجتماعية بدورة حياة تبدأ بسطوع نجمها ثم أفوله – مثل ما حدث مع موقع “ماي سبايس” – ولكن لا توجد سابقات كثيرة لما يحدث مع تويتر حاليا: يمكن أن يخبو بريق هذه المنصة ذات التأثير الثقافي والسياسي فجأةً نتيجة الملكية الجديدة.
بطبيعة الحال، دفعني هذا إلى التساؤل وطرح السؤال التالي على أولئك الذين لديهم خبرة في المنصات الاجتماعية الكبيرة، ما الذي يمكن أن يفعله إيلون ماسك للقضاء على تويتر؟ اتفق أولئك الذين تحدثت معهم على أنه من المحتمل ألا يتمكن ماسك بضغطة زر – كما يقول المثل – من تدمير المنصة على الفور. فلا يمكن تنفيذ أي فكرة “ماسكية” طائشة لميزة جديدة بين عشية وضحاها. ويعتقد أحد كبار الموظفين السابقين الذين تحدثت معهم أيضًا بأن القرارات المهمة والمثيرة للجدل (مثل إعادة دونالد ترامب أو أليكس جونز) ستؤدي بالتأكيد إلى إبعاد بعض الأشخاص عن المنصة ولكن من غير المرجح أن يتسببوا بمفردهم في نزوح جماعي للمستخدمين.
وقد استشهدوا بحركات انسحاب جماعي سابقة مثل #احذفوا فيسبوك و#احذفوا أوبر باعتبارها مقايسات تاريخية، مما يشير إلى أنه من الصعب جدًا حمل أعداد ضخمة من الأشخاص على حذف تويتر كجزء من موقف أخلاقي. مع ذلك، يبدو أن تويتر بالفعل يخسر المستخدمين المتميزين، وليس من الواضح كم يمكن للمنصة أن تتحمل.
لكن من المؤكد أن ماسك يمكنه أن يعطّل تويتر عبر إدارة غير كفؤة. وإذا قام بالفعل بتسريح جزء كبير من موظفي تويتر، فقد يتسبب ذلك في كابوس تنظيمي حقيقي. وحتى لو افترض المرء أن هناك تخمةً في عدد موظفي الشركة، فإن الموظفين السابقين يرون أن تويتر يمكن أن يفقد جميع أنواع المعرفة المؤسسية في هذا التغيير العشوائي.
قد تكون هذه المعرفة المؤسسية مفيدة في الأزمات التي تواجهها شركات التواصل الاجتماعي طوال الوقت، كما هو الحال عندما يرتد المستخدمون البارزون أو يتعطل الموقع أو تزداد زياراته بشكل غير متوقع. كان الأشخاص الذين تحدثت معهم قلقين بشكل خاص بشأن فقدان المهندسين المسؤولين عن موثوقية الموقع وأعضاء فريق الثقة والأمان الداخلي، الذي يتولى الإشراف على المحتوى.
حتى إذا لم يؤثر تسريح الموظفين على هذه الأقسام، فمن المحتمل أن يوّلد خبر استحواذ ماسك على الشركة موجة من الاستقالات بين الموظفين في مناصب رئيسية في البنية التحتية.
أخبرني جيسون غولدمان، وهو من أوائل موظفي تويتر وعضو مجلس إدارة سابق ونائب رئيس الشركة السابق للمنتج: “هذه المواقع – وبغض النظر عن مدى موهبة المؤسسة الهندسية – غالبًا ما يتم تجميعها معًا بواسطة سلسلة من الأنظمة القديمة الهشة التي لا يُعرف عملها الدقيق إلا من قبل عدد قليل من الأشخاص”. وأضاف: “دون احتساب النوايا الشائنة، من السهل تخيل سيناريوهات تحدث فيها أخطاء كبيرة بسبب نوع الاضطراب الذي توشك تويتر على تحمله. من المستحيل التنبؤ بالطبيعة الدقيقة للخطأ، لكن الاحتمال المتزايد لحدوث الخطأ هو افتراض معقول. ومن المرجح أن يكون ناتجًا عن خطأ صغير يتفاقم أكثر من كونه ناتجًا عن القرارات الكبيرة التي غالبًا ما ينتهي بها المطاف في دائرة الضوء”.
وصفت المصادر بعض السيناريوهات الكارثية التي يمكن أن تعرقل عمل موقع تويتر بشكل قانوني، والذي لا يزال يستخدمه أكثر من 200 مليون شخص يوميًا.
- يركز المتسللون الخارجيون أو الحكومات الأجنبية المعادية أو كلاهما جهود قرصنتهم على تويتر. بسبب عمليات التسريح الهائلة وفوضى المخطط التنظيمي، يتعذر على تويتر معالجة الهجمات بشكل ملائم مما يتسبب في حدوث انتهاكات كارثية أو فقدان المعلومات الشخصية أو انقطاع الخدمة لفترة طويلة.
- لا يستطيع فريق الثقة والأمان، الذي تم تجريده من صلاحياته، التعامل مع مذكرات الاستدعاء الحكومية أو طلبات إنفاذ القانون المعقدة. فعلى سبيل المثال، قد يساعد فريق من الأشخاص مكشوفي الهوية بشكل عرضي في دعم الجهود الخارجية لتحديد المعارضين والناشطين المجهولين في البلدان الأجنبية.
- لا يستطيع فريق الثقة والأمان إيقاف الجهود المنسقة من قبل المحتالين الذين ينظمون عمليات احتيال منخفضة المستوى. وبالمثل، فإن قسم الثقة والأمان المحدود غير قادر على مكافحة أو مراقبة محتوى الاعتداء الجنسي على الأطفال وعمليات الاتجار بالجنس والمواد الإباحية غير الرضائية وانتهاكات حقوق النشر.
- يقوم مهندس عديم الخبرة باستعمال بعض الرموز الضارة فتتوقّف بعض وظائف الموقع عن العمل، ولكن الأشخاص ذوي الخبرة في مجال موثوقية الموقع ليسوا موجودين للمساعدة في استعادة هذه الوظائف.
- يتراجع ماسك بالفعل عن قواعد الإشراف على المحتوى في تويتر ويقلل من أدوات المراقبة والإبلاغ عن إساءة الاستخدام على المنصة. مؤخرًا، جادلت كيت كلونيك، الأستاذة المشاركة في كلية الحقوق بجامعة سانت جون والتي تدرس الإشراف على المحتوى، بأن الافتقار إلى رقابة التعبير، أو تفكيك جهاز الثقة والأمان، لن يقدّم سوى منتج سيئ، ومشاركة منخفضة، وتراجع أرباح الشركة من الإعلانات، مما سيترتب عنه تكوين مجتمعات أكثر تطرفًا.
مع أن هذه السيناريوهات افتراضية، إلا أنها توضح حقيقة بديهية حول المنصات: فهي لا تشرف على إدارة نفسها بنفسها، بل هي متكوّنة من البشر الذين لديهم وظائف معقدة ويشرفون على أجزاء متخصصة من الشبكة الاجتماعية، حيث أن جزءا كبيرا منها غير مرئي للمستخدم العادي.
أخبرني أحد مهندسي الثقة والأمان السابقين لإحدى شبكات التواصل الاجتماعي الكبرى بأن العديد من مهام الوظيفة التي قد تبدو مملة أو بسيطة هي في الواقع معقدة بشكل لا يصدق، مثل كيفية تحديد أنواع مختلفة من البريد العشوائي واتخاذ الإجراءات المناسبة بشأنها. لا يتعامل مسؤولو الثقة والأمان المشرفون على هذه الجهود مع إعلانات الأدوية أو روبوتات الاحتيال بالعملات المشفرة فقط؛ بل يعملون على اكتشاف كيفية التعامل مع الرسائل الجماعية المرسلة من بعض المنظمين السياسيين الشرعيين الذين يستغلون المنصات لإرسال الرسائل الجماعية.
حيال هذا الشأن، قال أحد الأشخاص إن هناك ممثلين جيدين وممثلين سيئين، وهناك أيضًا “رسائل غير مرغوب فيها ولكنها ليست بالضرورة من شركات ضارة تحاول إقناعك بشراء بعض الأشياء، والتي يمكن أن تبدو كلها مشابهة للغاية لنماذج التعلم الآلي”.
أخبرني الأشخاص الذين لديهم خبرة في الثقة والأمان في المنصة أن نسبة كبيرة من العمل تتمثّل في التعامل مع الحالات الفوضوية التي يصعب على الكمبيوتر فكها. وأخبرني أيضا بريان تروب، وهو متخصص سابق في مجال الثقة والأمان على تويتر، عبر رسالة على البريد الإلكتروني، أن البرامج قد تتمكن من معالجة مشكلات معينة في المنتج في حال قدم المستخدم بطاقة تعليمات واضحة تبلغ عن مشكلة واضحة، “ولكن إذا كتب شيئا مثل؛ ‘لقد تم اختراق حسابي لأنني ضغطت على زر الإعجاب “عن طريق الخطأ” على تغريدة إباحية في 11 أيلول/سبتمبر وأنا عضو مجلس الشيوخ الأمريكي تيد كروز’، فسيكون هذا الكلام صعب الفهم بالنسبة لجهاز الحاسوب”.
وتابع تروب: “الكثير من الأشياء التي يقولها ويفعلها البشر لا يمكن تفسيرها وفك شفرتها بسهولة سوى من قبل البشر الآخرين. وعندما يحدث كل الكلام في مساحات محدودة، تحتاج تلك المساحات إلى أكثر عدد من الأشخاص لمراجعتها، وليس أقل”.
تحب الشخصيات التقنية الرجعية مثل ماسك أن تشير ضمنيًا إلى أن فرق الإشراف على المحتوى تشبه نوعا ما الشرطة الفكريّة، لكن هذه الفرق تعمل إلى حد كبير على حماية خصوصية المستخدمين، أو الامتثال للقوانين، أو منع المحتوى غير المرغوب فيه، الذي لا يريد أي إنسان مواجهته، من السيطرة على الموقع.
أخبرني سوثي بلانتون، فني أنظمة عمل في الثقة والأمان في ماي سبايس: “حتى يكون لديك حقا فريق قوي للأمن وإساءة الاستخدام، فأنت بحاجة إلى عدد هائل من البشر الفعليين للاستجابة وتصفية الأشياء التي يجب تصفيتها”. وقال بلانتون إن تخفيض أفراد فريقه أدى إلى تراجع الوسطاء، الذين اضطروا إلى الاعتماد على أدوات ذكاء اصطناعي غير دقيقة للتخلص من الروبوتات والبريد العشوائي، مما أدى إلى حظر العديد من الحسابات البشرية المشروعة أيضًا. وأضاف بلانتون: “بشكل عام، تتعرض مواقع التواصل الاجتماعي للهجوم، فضلا عن تعرّضها للضغط بشكل أساسي على مدار الساعة وطوال أيام الأسبوع وعلى مدار السنة. وأنا مقتنع تماما أنه في حال فعل ماسك ما يقول أنه سيفعله، فسيكون ذلك عرضًا سيئًا للغاية”.
أخبرتني كلونيك أن “اللغة ومعنى اللغة يتطوران دائمًا، ولكن على الإنترنت، يحدث ذلك أسرع بمليار مرة. وإذا كان دور رقابة التعبير على الإنترنت يتمثّل في التعامل مع الأضرار التي تلحق بكيفية تواصل الأشخاص، فإنه يجب عليها أن تعمل وتتغير باستمرار”.
حتى في ظل القيادة التي تقدر الاعتدال، فإن منصة تويتر ليست معروفة تماما بالسلام والوئام وهناك أسباب عديدة وراء ذلك. أشار الصحفي في مجال التكنولوجيا، ريان بروديريك، في رسالته الإخبارية إلى أن “منصة تويتر لم تتمكن أبدًا من التعامل مع حقيقة أن مستخدميها يكرهون استخدامها ويكرهون بعضهم البعض أيضًا”، وأن بنية النظام الأساسي تتسبب في حدوث انهيار متكرر للسياق والاقتتال الداخلي بحيث يميل المستخدمون الأقل عدوانية وبغضا إلى الانسحاب أو الاختفاء.
إذا كان تويتر يكافح مع ما يحدث الآن، فتخيل التأثير الذي سيحصل إذا قرر ماسك تحويل المنصة إلى ساحة صراع للخطاب المتطرف. تتمثّل الحقيقة التي يرفض المحاربون المناهضون لمبدأ “ووك” الاعتراف بها في أن النجاح الاقتصادي للمنصات يعتمد على الاعتدال المدروس والسريع للمحتوى الذي يحقق التوازن بين الحوار المفتوح والفوضى.
هذا الصباح، وفي رسالة إلى جهات الإعلان، استُخدمت فيها اللغة المبتذلة لمدير تنفيذي مخضرم في وسائل التواصل الاجتماعي، كتب ماسك أن تويتر لا يمكن أن تتحوّل إلى “منصة مجانية للجميع”.
يتحدّث معظمنا بشكل مفهوم عن المنصات التكنولوجية باستخدام مصطلحات مجردة، لكن عندما يتساءل عمالقة التكنولوجيا مثل ماسك أو أصدقائه الذين يرسلون إليه الرسائل النصية عن دور كل هؤلاء الموظفين في تويتر، فإنهم، بحماقة شديدة، ينظرون إلى شبكة اجتماعية كما لو كانت نوعا من الآلات. وأخبرني غولدمان، نائب رئيس تويتر السابق أنه: “غالبًا ما يكون هناك افتراض بأن بعض المواقع مثل تويتر يجب أن تعمل مثل السيارة؛ ربما قد تحتاج إلى بعض الصيانة الروتينية سنويا، لكنها ستواصل العمل في الغالب بصورة عادية”، لكن تويتر ليس سيارة؛ إنه كيان حي وديناميكي.
هناك شيء واحد أكيد تفعله الأشياء الحية التي تتنفس: وهو أنها تموت في النهاية لعديد الأسباب. قد تموت هذه الأشياء لأسباب طبيعية، أو بسبب ضرر مباشر أو بسبب أحداث غير متوقعة. وبالتالي، من الممكن للغاية أن يتسبب ماسك في تدمير تويتر بدافع الخبث أو الغطرسة، أو من خلال قرارات محسوبة وعصرية، لكن هناك احتمال واحد أكثر ترجيحًا من غيره؛ إذا حلت نهاية تويتر على يد هذا الملياردير، فمن المحتمل أن يكون السبب تافهًا بشكل مأساوي؛ وهو الإهمال.
تشارلي وارزل – ذي أتلانتيك
ترجمة نون بوست
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.