لا يخادع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما يعلن استعداد روسيا للدفاع عن نفسها بكل الوسائل الممكنة ردًا على التهديدات باستخدام الأسلحة النووية.
بعد ساعات قليلة من الاعلان عن عملية استفتاء حول انضمام مناطق جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين وخيرسون ومقاطعة زابوروجيا الى روسيا القى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خطابا أعلن فيه قرار التعبئة الجزئية في الجيش محذرًا الناتو من اي محاولات اعتداء على الاراضي الروسية، وتزامن ذلك مع انعقاد الدورة الـ 77 للامم المتحدة التي افتتحت باللغة الروسية.
وقال الرئيس الروسي: لقد تجاوز الغرب في سياساته المناهضة لبلادنا كل الحدود الممكنة، وإن بروكسل وواشنطن يحثان النظام في كييف بشكل مباشر على نقل العمليات العسكرية إلى أراضينا، ولم يعد سرًّا الحديث عن تدمير روسيا بالكامل في ساحة المعركة باستخدام كل الوسائل الممكنة، بما يتبع ذلك من تداعيات لنزع سيادتها السياسية والاقتصادية والثقافية وكل أشكال السيادة والنهب الكامل لبلادنا. واضاف بوتين: الحديث لا يدور حول دعم الغرب لأوكرانيا في قصف محطة الطاقة النووية في زابوروجيا، الذي يهدد بكارثة نووية، وإنما يخص بعض التصريحات من مسؤولين رفيعي المستوى في بعض دول “الناتو”، حول إمكانية وقبول استخدام السلاح الدمار الشامل ضد روسيا.
وقد قال بشكل علني نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف إن الاستفتاءات ذات أهمية كبيرة ليس فقط للحماية المنهجية لسكان جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك والأراضي المحررة الأخرى، ولكن أيضًا من “أجل احياء العدالة التاريخية”.
ان الكلمة التي القاها الرئيس الروسي تتعدى استفتاء الانضمام الى روسيا لتكون بمثابة رسالة واضحة في حرب معلنة مع الغرب والناتو الذي لا يتوانى عن تهديد روسيا. وقد بدا ذلك منذ العام 2014 حين سكت الغرب عن القصف التدميري للمناطق الشرقية في اوكرانيا (لوغانسك ودونيتسك) حيث ذهب أكثر من 13 ألف شخص ضحية العمليات العسكرية الانتقامية والعشوائية ولم يحرك العالم ساكنًا. واذا كانت واشنطن تسعى الى فتح جبهات في الخاصرة الروسية اي بين ارمينيا واذربيجان او طاجكستان وقرغزستان فإن هذه الحاولات سوف تفشل وإن كان ذلك غير مريح بالنسبة لموسكو.
يعتقد المعلق العسكري فيكتور بارانيتس أن “هذه الخطوة الجذرية مثل ضم عدة مناطق من جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية السابقة إلى روسيا في وقت تستمر فيه الأعمال العدائية النشطة، لم يتوقعها الغرب ببساطة او يمكن ان تتطور الى ما هي عليه اليوم”. ويضيف بارانتيس ان “الاراضي في روسيا العظمى خصبة وواسعة، وهي مشبعة بالدم الروسي والتاريخ الروسي، وبالتالي كل شيء يعود إلى الانماط التاريخية العادلة”. ومن هنا النصر سيكون الحليف وعلى الغرب التعلم من التاريخ.
بدوره اشار الاقتصادي وعضو مجلس الدوما ميخائيل ديلياغين الى انه بمجرد أن يصوت سكان الأراضي المحررة لصالح الانضمام إلى روسيا ، سيتم تبنيهم باسرع وقت ممكن. هذا يعني ان نظام العملية العسكرية الخاصة قد انتهى، واصبحت تلك الاراضي والسكان ضمن الإطار الروسي، وهذا يعني الانتقال الى نظام الاعمال الحربية المباشرة وبخاصة انه تم الاعلان عن قرار التعبئة الجزئي.
ووفقًا للمحلل العسكري رئيس تحرير مجلة “ترسانة الوطن”، أليكسي ليونكوف، فإن إجراء الاستفتاءات “نضج منذ وقت طويل”، وقال: “هذا مهم للغاية، أولًا، يتم رفع القيود التي كانت قائمة حتى الآن في حماية هذه الأراضي، أي أن هناك فرصًا موسعة أمام جيشنا لضمان الأمن وإرسال أكبر عدد ضروري من القوات إلى هناك. المهمة الرئيسية هي ضمان أمن المواطنين الروس مع جميع الحقوق المترتبة على ذلك”.
وفيما أعرب عدد من الخبراء عن رأي مفاده أن انضمام جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك إلى روسيا سيعزز الروح المعنوية للجنود ويمنح دافعًا إضافيًّا، يرى ليونكوف أن لدى الجنود الروس دوافع كافية من دون ذلك، وقال: “حماسة قواتنا لم تتراجع. المزاج الانهزامي موجود فقط في الشبكات الاجتماعية. من الواضح أنهم يشتغلون على ذلك في مراكز المعلومات والعمليات النفسية التابعة للقوات المسلحة الأوكرانية. أما جنودنا فلديهم الآن ما يكفي من الحماسة”.
من جهته وفي حديث الى صحيفة “برافدا” الروسية قال الخبير الاقتصادي ايغور لافروسكي: “قد تظهر المشاكل في مكان ما. لكن عليك أن تفهم حجم التعبئة. لا يتعلق الأمر بإنشاء جيش قوامه ملايين الملايين. لذلك ، سيؤثر مثل هذا الإجراء على الاقتصاد، ولكن ليس على نطاق واسع، بشكل منطقي”. وفي الوقت نفسه، أشار إلى أنه يتعين على الحكومة ضمان زيادة إنتاج الأسلحة، ما يعني ضخ المزيد من الأموال في مجال الدفاع العالي التقنية.
واكد الرئيس فلاديمير بوتين تأييده لانضمام جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك ومقاطعتي خيرسون وزاباروجيا إلى روسيا، وأعلن التعبئة الجزئية لقوات الاحتياط. وبدءًا حتى من لحظة التعبئة الجزئية، لم يعد من مصلحة روسيا إطالة الحرب، كما كان الوضع من قبل، وإنما إنهاؤها في أسرع وقت ممكن، لأن دعم العملية العسكرية من قبل الشعب في ظل التعبئة قد يبدأ في الانخفاض، وذلك يدفع نحو الحاجة المتزايدة لإسراع روسيا بإسقاط أوكرانيا. إضافة إلى ذلك، يبدو أن دخول “الناتو” مباشرة إلى أتون الحرب هو أمر لا مفر منه، وفي ظل هذه الظروف، سيكون من مصلحة روسيا تعظيم الضرر الذي يلحق بأوكرانيا والغرب، وهذا ما اشار اليه المحلل السياسي الكسندر نازاروف.
وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إن التعبئة الجزئية تهدف إلى إحكام السيطرة على الأراضي التي تم تحريرها سابقًا خلال العملية العسكرية الروسية خاصة في أوكرانيا. وأوضح شويغو في مقابلة مع قناة “روسيا 24” التلفزيونية، أن “خط التماس، أو ما يمكن تسميته بخط الجبهة، يزيد عن 1000 كيلومتر. بطبيعة الحال، يجب تأمين هذا الخط من الخلف، ويجب التحكم في هذه المناطق، بالطبع، العمل الذي يتم القيام به، وأقصد التعبئة الجزئية تتم على هذا الأساس”.
بعيدًا عن ردود الغعل الدولية لقد وضع الرئيس الروسي بوتين العالم امام خيارات سياسية جديدة قوامها انه لا بد من الانتقال من الاحادية القطبية الى عالم متعدد الاقطاب قائم على الندية ومنع التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام المواثيق والمعهدات والعودة الى الامم المتحدة في اتخاذ القرارات المصيرية، وغير ذلك ضرب من الاحلام وعلى واشنطن والغرب أن يفهما ذلك والا الهلاك ينتظر الكثيرين.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.