هدف يدخل بين حجرتي مرمى الفريق الخصم مما يؤدي لغضب صاحب الكرة فيأخذ الكرة وينسحب في حال لم يتمّ إلغاء هذا الهدف. هنا يصرّ الهدّاف على استكمال المباراة واحتساب الهدف فيركض وراء صاحب الكرة محاولًا سلبه إياها ثمّ يدور التعارك. هنا تعرّف أغلب الشباب على سهولة افتعال المشاكل في الألعاب الرياضية.
هذه المشاكل تحصل في كل المجتمعات، من مباريات المدرسة والأطفال إلى مباريات كأس العالم، ومن أصغر دولة لأكبرها، جماهير تتضارب وتتقاتل، لاعبون يتضاربون في الملعب، كل هذا جزء من تجربة اللعبة ويحصل حتى لو كان منافيًا لمبدأ الروح الرياضية.
في لبنان اعتدنا على التطرف في أغلب الأمور، وفي ظلّ بلد منقسم سياسيًا وطائفيًا، كان للرياضة نصيب كبير من هذا الانقسام الذي تتمّ ترجمته في أغلب المباريات، فتجد شعار “الله، حريري، طريق الجديدة” في مدرج جمهور النادي الرياضي مقابل “الله، قوات، حكيم وبس” في مدرج جمهور نادي الحكمة، وتجد أعلام الدولة التركية مرفوعة حينما يكون الخصم فريق الهومنتمن الأرمني (بإشارة إلى الدولة العثمانية)، ثمّ يصدح شعار “شيعة، شيعة، شيعة” في مدرجات جمهور النجمة إن كان ضدّ فريق الأنصار الذي يهتف جمهوره “أبو بكر، عمر، عثمان وعلي”.
لا تقف المشاكل عند الهتافات فحسب، بل قلّما انتهت مباراة وديًّا دون أي احتكاك بين الجمهورين أو الجمهور نفسه حتى، فتجد القوى الأمنية جاهزة في أي مباراة مهما كان ترتيبها، وهذا من أبرز أسباب منع الجماهير سنوات عديدة من حضور أي مباريات والتدابير القاسية المتّخذة من الاتحاد والأندية للحد من حضور أعداد كبيرة من الجماهير إلى المباراة.
منذ بضعة أيام، كان المتابعون اللبنانيون على موعد مع نهائي دوري كرة السلة اللبناني بين نادي الرياضي ونادي بيروت. جدليًا، نادي الرياضي هو صاحب الجمهور الأوسع أو ينافس بجمهوره جمهور نادي الحكمة، بينما نادي بيروت بأفضل الأحوال يمتلك أسرة اللاعبين وأصدقاءهم كجمهور والباقون كانوا من جمهور الحكمة أو جماهير اجتمعت على كره نادي الرياضي التقليدي. وهنا ظاهرة غريبة، تجد العديد من مشجعي أندية رياضية يشجعونها كرهًا لخصمها لا حبًّا فيها.
من منظور آخر، كان منذ بضعة أيام كذلك مباراة نهائية بين فريقي النجمة والأنصار لكرة القدم، الخصمين التاريخيين في بيروت، وبدأ الناس بنشر صور فريقهم المفضل والذي تمنّوا له الفوز.
لو سألت متابعي هذه المباريات عن أسماء 5 لاعبين من فريقهم ستنصدم من عدد الذين لا يعرفون عن هذا الفريق سوى اسم الفريق أو النادي. ببساطة أغلبهم لا يكترثون في الدوري اللبناني سواء في كرة السلة وكرة القدم. اسأل عن اسماء الفرق التي لعبت في نصف النهائي لا يعرفون أيضًا، لم يتابعوا سوى النهائي.
جمهور النهائي أو جمهور الخصم هو وقود المشاكل الرياضية في الملعب. هؤلاء الأشخاص الذين كان سبب تشجيعهم لفريق دون آخر هو محيطهم الاجتماعي، متأثرون بمزيج من الجو العام الطاغي على منطقة النادي طائفيًا وسياسيًا، فيصير النادي أو الفريق مثل الزعيم والحزب، يولد أغلب الشباب عليهم دون أن يختاروا. وعندما كانت هذه الأسباب السبب الأول لتشجيعهم هذا الفريق كان بديهيًا أن يزيد الحماس عندما يكون الفريق يلاعب فريقًا يعتبرون جمهوره من طائفة أو حزب سياسي آخر. فهنا ينقلب الملعب الى ساحة اعتصام ومشروع اقتتال داخلي يشتدّ ويضعف أحيانًا حسب الجو السياسي بالبلد، ولكنّه أصدق، فقد يتفق السياسيون ويهدؤون ولكن تبقى هناك خصومة بين “جماهير الكلاسيكو” مهما كان الوضع، وهي طبيعية وتحصل في كل العالم كما ذكرنا آنفًا، ولكن تبقى تحت عنوان الخصومة الرياضية، وبأفضل الأحوال المناطقية عوضًا عن مزيج من مناطقية طائفية سياسية كما يحصل في لبنان.
يتغيّر اللاعبون وفرق الإدارة وقد يكونون من طائفة أو منطقة ثانية ولكن يبقى المهم هو “جمهور النهائي” ومن أين خلفيته، في ظلّ بلد مقسوم فيه كل شيء لطوائف، من الأولويات إزالة وصمتها عن الرياضة وأنديتها حتى يصبح الفوز والخسارة للأقوى وليس “تآمرًا” على طائفة كلّما اتخذ الاتحاد قرارًا بمنع جمهور أو كلّما خسر فريق بسبب خطأ تحكيمي.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.