علي محمود أحمد – خاص الناشر |
أيامٌ قليلة تفصلنا عن الدورة الانتخابية العشرين للمجلس النيابي في لبنان، يرافقها انقسام حاد في المشهد اللبناني مع حصار اقتصادي محكم وارتفاع في سعر الصرف ليصل إلى أعتاب الثلاثين ألف ليرة للدولار الواحد. في ظل هذه المعمعة على الساحة اللبنانية تشهد حركة الماكينات الانتخابية وتيرة متسارعة لشد عصب جمهورها وناخبيها قبل أيام من الاستحقاق الانتخابي، وكل من يقرأ المشهد اللبناني بتعقيداته يعلم أن هذه المعركة مفصليَّة في تاريخ لبنان السياسي، فبعض القوى السياسية وبشكل واضح تسعى لإقصاء فريق سياسي لبناني وازن وله شعبيته. فهل سنرى لبنان يختزل بعض قواه السياسية من تحت قبة البرلمان أم أن لنتائج الانتخابات المقبلة كلامًا آخر؟
لا بدَّ لنا من تحليل المعطيات بطريقة موضوعية ومنطقيَّة بعيدًا عن التعصب الطائفي والمذهبي، فماذا لو خسر حزب الله الأكثرية البرلمانية وربحت قوى 14 آذار -أو ما تبقى منها- الأكثرية النيابية؟
لربما خسارة حزب الله الأكثرية النيابية، وهي مطلب كل من الولايات المتحدة -الآفلة من المنطقة- والسعودية -المنتظرة معجزة من السماء لإخراجها من أزمتها في المستنقع اليمني- سيؤدي إلى محاولة عزل حزب الله عن الحكم وبالتالي سيتعقد المشهد السياسي أكثر وتشتد الضغوط على لبنان وسيجعل هذه القوى تحت المجهر لتحمل مسؤولية الحكم وإنقاذ لبنان من أزماته الخانقة. ولكن هل ستستطيع هذه القوى تنفيذ هذا الإصلاح ومعالجة المشاكل التي ألمَّت بالوطن؟
ما يبدو لنا واضحًا من البرامج المعلنة لهذه القوى أو تحالفاتها هو ضعفها سواء من ناحية قدرتها وإمكاناتها لمعالجة الأزمات أو من ناحية اتباعها لأجندات سياسية معلومة المصدر ومعروفة الأهداف ليدور لبنان في الفلك الإسرائيلي. وهذا ما سيؤدي إلى تفاقم المشكلات والازمات الاقتصادية والسياسية وبالتالي الذهاب إلى حلقة مفرغة وتعقيد المشهد اللبناني أكثر فأكثر.
أما في حال فوز قوى الثامن من آذار وأبرزها حزب الله بالأكثرية النيابية، فلا يعود أمام هذه القوى سوى خيار واحد ألا وهو اعتماد تشكيل حكومة من لون سياسي واحد، واعتماد مبدأ حكم الأكثرية في اللعبة الديمقراطيَّة. وهنا تثار أسئلة كثيرة، أولها هو إن القوى الإقليمية والغربية المعادية لحزب الله ستترك له العمل وفق ما يصرح به من مواقف حول أساليب إنقاذ البلد من الانهيار الاقتصادي؟ وهل سيتمكن الحزب والأكثرية التي يمثلها بمن معه من حلفاء من التوجه شرقًا اقتصاديًّا؟ وهل ستتمكن حكومة الحزب والحلفاء العتيدة من استخراج النفط اللبناني؟
هي تحديات ليست هينة، لكن الحزب والحلفاء قد يعملون على مواجهة هذه التحديات بعد أن بلغ صراخ اللبنانيين سماء العالم في شكواهم من النظام السياسي ومن الكارثة الاقتصادية التي يعانون منها، فتعمل الحكومة العتيدة على تحدي الضغوطات كلها لأجل الصالح العام، ولتكون المرحلة المقبلة في تاريخ لبنان هي مرحلة انفتاح لبنان على الشرق.
إذًا، نحن أمام معركة مفصليَّة وأمام منعطف في مسار لبنان السياسي منذ قيام دولة لبنان الكبير عام 1920، وهي معركةٌ، الرابح الوحيد فيها هو حزب الله سواء فاز بالأكثرية وما ينتج عنها من تغيير في مسار لبنان السياسي والاقتصادي أو خسر الأكثرية البرلمانية وهو ما سيخرجه من عباءة الحكم ومن دائرة الضوء ليتحول إلى معارضة ويكتفي بدور المراقب لعمل الحكومة ومحاسبتها تحت قبَّة البرلمان. لننتظر ونرَ وجه لبنان الجديد بعد الخامس عشر من أيار عام 2022.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.