موسكو | أليكسي كادروف – خاص الناشر |
كيف يمكن للذاكرة الجماعية ان تكون قصيرة الى هذا المدى؟ كيف يمكن للجماعات والدول ان تنسى من انقذها من النازية والفاشية؟ لم تدم الذاكرة مئة عام، فلقد نسي او تناسى العالم اجمع، ما كانت نتيجة الحرب العالمية الثانية في العام ١٩٤٥.
كيف يمكن لمدعي “الديمقراطية” والشعارات الرنانة ان يكونوا هم من النازيين الجدد وبكل صفاقة؟
بعد اكثر من اربعين يومًا على بداية العملية العسكرية الروسية ضد النازيين والقوميين في اوكرانيا ومواجهة الناتو والغرب الاطلسي داعمهم الاساس، لا يزال الكثيرون، وخاصة ممن يتبنون وجهة نظر الاعلام الغربي ومن يدور في فلك الغرب، يصمون آذانهم ويغضون الطرف عن حقيقة وطبيعة هذه العملية.
لا شك ان المواجهة مع الغرب ليست فقط عسكرية، بل سخّر هذا الاخير جميع امكانياته ووسائله الاعلامية ضد روسيا في محاولة طمس الحقائق وطبيعة ما يحصل.
لقد برزت ازدواجية المعايير في الحقائق، وبانت العنصرية بأبرز تجلياتها تجاه اللاجئين العرب وغيرهم من الاجانب، وتفضيل اللاجئين الاوكران كونهم “من ذوي الشعر الاشقر والعيون الزرقاء”، وهذا ما ظهر على شاشاتهم ووسائل اعلامهم على اختلافها. وطبعًا تطبيق القمع على مواقع التواصل الاجتماعي وفتح مجال امام الاكاذيب والتفاهات التي تهدف لبث الخوف وتشويه وجه روسيا وشيطنتها.
لقد نسي العالم حصار موسكو وحصار لينينغراد وغيرهما من قبل القوات النازية والفظائع التي ارتكبت، ونسي العالم معسكرات التعذيب والاسرى وتشويه الجثث، وتناسوا جميعًا تضحيات الشعب السوفياتي -حينها- لتحرير العالم من وحش النازية.
تجاهل الاعلام عمدًا كل ما حصل في منطقة الدونباس منذ عام ٢٠١٤ وكل الممارسات العنصرية والاعتقالات والقتل والقصف الذي مارسته العصابات المتطرفة وبقرار حكومي عنصري وعلى مرأى ومسمع من العالم “المتحضر” في تلك المنطقة. او من الممكن ان ما كان يحصل لم يكن من الاولويات (بعيدًا عن الحديث عن فلسطين والعراق وسوريا وليبيا وغيرها..)، فلقد خلق الاعلام الغربي غمامة وهمية، اعمت عيون الناس، وعملت فقط على بث اخبار احادية المصدر، ومليئة بالاكاذيب، لتظهر روسيا كوحش كاسر والرئيس الروسي “قاتل اطفال”، وقررت تسمية العملية العسكرية، التي في الاساس اهدافها واضحة، “حربًا” لزيادة الخوف.
خوف ممن؟ مِمَّن حموا العالم وحرروه؟ من اناس هم عاديون، يتمتعون بحق العيش مثل اي شعب آخر؟ من قال ان الغرب هو العالم، وأن فقط اهل الغرب هم القادرون على حماية هذا العالم؟ الغرب لا يريد سوى زيادة اطماعه التوسعية وجبروته وتهديد الدول وقمع القوى الديمقراطية التي تطالب بالحرية والعدالة، لكن خارج الهيمنة الاميركية والاطلسية، و”يشيطن” كل من يقول “لا”.
لمن يقرؤون جيدًا مسار الاحداث، هل رأيتم رايات النصر “السوفياتية” ترتفع عند دخول المدن؟ هل رأيتم السيدة العجوز التي رفضت المساعدة ورفضت ان يدوس الجندي الاوكراني على راية النصر؟ انظروا جيدًا لعلكم تفقهون، لعلكم تفهمون دلالات رفع هذه الراية وما ينطوي عليه من معانٍ، يفهمها سكان المنطقة هناك ويعرفونها حق المعرفة.
سكان مدينة الدونباس، اعلنوا من سنوات وخلال عدة استفتاءات رغبتهم بالاستقلال والانفصال عن اوكرانيا، ألا يندرج هذا الحق في خانة “حق الشعوب بتقرير مصيرها”؟ أوَليس لهم حرية القرار؟
العملية العسكرية التي تقوم بها روسيا اليوم، فضحت عنصرية اوروبا وعنصرية مناصريها، فضحت انعزالها وخوفها وارتباطها بالقرار، فضحت اكاذيب الافكار التي تم بثها و”التبشير” بها على مدى عقود. انهم يدعمون حقوق الانسان والانسانية وحق الشعوب بتقرير مصيرها وحق الخيار لكن على طريقتهم.
ذاكرة العالم قصيرة، لم تدم مئة عام، ومحاولة اخرى لطمس التاريخ وخلق حاضر مسخ، شبيه بالناتو وادواته ودوله.
لا خيار للدول الا بمواجهة النازية الجديدة واذنابها اينما كانوا.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات مغلقة.