هل ينضمّ اسم الدكتور ريشار خرّاط إلى لائحة الموقوفين اللبنانيين في الإمارات، الذين لم تتجرّأ جهة رسمية على متابعة قضيّتهم، وتُركوا لمزاج النظام الإماراتي، تنكيلًا أو إفراجًا حين يشاء؟
بدايةً، هل يبدو طبيعيًا أن تقوم دولة بخطف مغترب مقيم على أراضيها بدون أن تكون على ثقة تامّة بأنّ “دولة” هذا المغترب لن تتجرّأ على السؤال عنه، ولا سيّما في الموسم الانتخابي الذي يحتاج بالنسبة للسياديين المنبطحين إلى تمويل ودعم من النّظام الإماراتي، وبالتالي يفرض عليهم عدم التفوّه بكلمة تطالب ولو بمعرفة التّهمة التي جرى توقيفه بسببها؟ أصلًا، هل أبلغت الإمارات الجهات المعنية في لبنان، بحسب الأصول القانونية والدبلوماسية، عن حبسها لمواطن لبناني وعن أسباب هذا الإجراء وظروفه؟ هل يمكن لأي جهة سيادية أن تمتلك مخزونًا من الوقاحة يكفيها لإدانة الدكتور خراط فقط لأنّه أزعج بتغريدة ممازحة خاطر سيّدهم، تغريدة تعود إلى عام ٢٠١٨، أعادت نشرها إحداهنّ بحجة أنّها تتهمه بالتسبّب بوفاة جنينَي صديقتها؟ حتى بناء على فرضية إدانته بهكذا جرم، ما علاقة مزحته التويترية العتيقة بالقضية؟ وهل تمّ تسليم الإمارات دور محاسبة الأطباء في لبنان؟ ما سبب الصّمت حتى من قبل نقابة الأطباء التي عُرفت بدفاعها الدائم عن أعضائها حتى أولئك الذين ثبتت ضدّهم أخطاء طبية مجرمة، ناهيك عن الصمت الرسمي الخاضع لوجوب عدم إغضاب “العرب” مهما نكّلوا بنا؟
أسئلة كثيرة تحيط بقضية خطف الطبيب اللبناني ريشار خرّاط من قبل جهات رسمية في الإمارات. هذا الخطف الذي لم تُعرف أسبابه حتى شكليًا حتى اللحظة، عدا ما تمّ تناقله عن كونه أوقف بسبب تغريدة ممازحة بشكل واضح حول الإمارات، وإن كان هذا السبب فتلك مصيبة، أو عن تسبّبه بوفاة جنينين بحسب ادّعاء أمهّما وصديقتها، وإن كان هذا هو السّبب فالمصيبة أعظم.
المعطيات المتوفرة حول القضية هي التالية:
- أعادت إحدى الإعلاميات، وعلى سبيل الوشاية، نشر تغريدة قديمة لخرّاط. في اليوم التالي تمّ توقيفه. برّرت الواشية أنّها فعلت هذا لأنّها تدينه بمقتل جنينين، ويبدو أنّها شعرت في لحظة ما أن إدانة على هذا المستوى لا تحتاج إلى أدلّة طبية ولا إلى محاكمة عادلة ولا حتى إلى رجوع إلى الأطر القانونية التي تحكم هذا النوع من النزاعات، بل ولا تحتاج أيضًا إلى مواجهة قضائية في البلد الذي جرى فيه “الجرم” غير المثبت حتى الساعة.
- واجهت الدولة اللبنانية هذا التعدّي الإماراتي بصمت تام، وكذلك فعلت القوى السياسية التي ترصد محال الحلوى الإيرانية لتخترع شعارات وتصدر بيانات تطالب إيران باحترام سيادة لبنان! ولولا أن اللواء عباس إبراهيم أخبر عائلة الطبيب خراط أنه لا يزال يتابع هذه القضية بصورة حثيثة مع السلطات المختصة في دولة الإمارات، لكان الموضوع كله نسيًا منسيًّا.
السؤال الذي يطرح نفسه بناء على هذه المعطيات، ماذا لو جرت نفس الحادثة في بلد لا يرغب الصامتون برضاه وبتسوّل التمويلات الانتخابية منه؟ ماذا لو خُطف طبيب لبناني بسبب تغريدة سياسية صريحة العداء للدولة في سوريا أو في إيران؟ ماذا لو أُوقف جاسوس لبناني في هذين البلدين ضمن إجراءات تحترم الصيغ القانونية والدبلوماسية؟ إليكم ما الذي كان سيحدث: كانت الأساطيل التشرينية ستحتشد في بحر الإدانة وتقصف الدولتين بالبيانات وبالشعارات وبالاستنكارات المتواصلة حرصًا على سيادة لبنان. كنا سنرى صنفًا من الإعلاميات يدير حلقات مفتوحة وحملات متواصلة للمطالبة باستعادة العميل وبتكريم المسيء، تحت عنوان حرية التعبير وحرية التنقير وحرية الإساءة وحرية الجاسوسية. أما أن يكون صاحب أكياس الدنانير هو الدولة التي ارتكبت جرم الخطف بحق مواطن لبناني مغترب فيها، فلا بأس، سيجد هؤلاء أعذارًا لوليّ أمرهم، بل وأكثر من ذلك سيخترعون سيناريوهات تبرّر للخاطف المنكّل بكرامتهم، أو حتى تشكره على فعلته!
الدكتور ريشار خراط، طبيب لبناني يعمل في الإمارات، تمّ خطفه، ويفضّل البعض استخدام عبارة توقيفه في محاولة للفّ الجريمة بقماش قانوني، دون ذكر أي سبب للجهات المعنية في بلده الأم أو لعائلته أو لنقابته. مواطن لم يرتكب أي جنحة أو جريمة في البلد المضيف، يستخدم منصات التواصل الاجتماعي كغالبية سكان الأرض، ويتشارك معهم المزاح الذي لم يبلغ درجة التهكّم أو الإساءة. شخص تعرّض للظلم على مرأى القوانين والأصول الدبلوماسية دون أن يحرّك أحد من المعنيين بتطبيقها ساكنًا. عشتم وعاشت سيادتكم الكاذبة!
التعليقات مغلقة.