الوضع الأسري وأثره على سلامة المجتمع

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

علي محمود شحادة – خاص الناشر |

ان الأسرة هي نواة المجتمع وركيزته الأولى، وهي مدرسة للأخلاق فيها يتعلم المرء اساليب الحياة وآداب العيش.
انها مصنع تتشكل فيه الاجيال ومنجم يهب المجتمعات الثروات النفيسة التي تتمثل بالقدرات والطاقات البشرية.
وإن قيمة كل مجتمع تتحدد بما يحويه وما ينتجه من افراد نموذجيين في العلم والذكاء والأخلاق والاستقامة والايمان.
وانما تتباهى المجتمعات الرشيدة بالعلماء وذوي الفطنة والحكماء والشجعان الذي يبذلون طاقاتهم وإمكاناتهم في خدمة مجتمعهم.
ومما ينبغي التأكيد عليه ضرورة العناية بالأسرة علمًا وارشادًا وتوعية أن هذه المهمة يفرضها الدين وتحكم بها الأخلاق ويثبتها العقل والمصلحة المجتمعية.

فالأسرة الصالحة هي كيان يهب الاستقرار والسلام، للمجتمع وهي اول وحدة مجتمعية يتدرب فيها الانسان على أسس التلاقي والتعامل مع اقرانه من بني البشر. فلا يجب ان يسمح باختلال وحدة الأسرة وسلامة نشأتها لأن اختلالها يهدد وحدة المجتمع وسلامته؛ فهي الحجر الأول الذي يتأسس عليه البناء الاجتماعي وفيها تتكون شخصية الفرد فيتلقى الآداب والأخلاق.

ان معظم المشكلات الاجتماعية يرجع اصلها إلى وضع غير سوي نما مع الفرد في الأسرة والى خلل حدث في بنيتها التربوية.
وهناك عدة عناوين مهمة ينبغي مراعاتها والتواصي بها والتمسك بجزئياتها وتفاصيلها من اجل ضمان البناء القويم والسير السليم للأسرة، نذكر منها لا على سبيل الحصر التالي:

الامر الاول: الترابط الأسري
لا بد من التأكيد ان الترابط الأسري لا يمكن ان يتوفر بمعزل عن التوافق وحسن العلاقة بين الزوجين. فالأب والام هما اللذان يغرسان القيم والمبادئ في نفوس الابناء وعلاقتهما هي اول علاقة اجتماعية يتعرف اليها الطفل فتنطبع في مخيلته تفاصيلها ويتربى على آدابها، مما يعني ان التوافق والوئام الزوجي هو الارض الخصبة التي يمكن ان تنبت فيها بذور الصلاح والسلام النفسي والاستقامة، اما التنافر والتعاند بين الزوجين فيجعل البيت ارضا سبخة وجافة لا تُنبت الا الشوك والاعشاب الصلبة.

الامر الثاني: آداب التواصل
اهمية الحوار بين الأبوين لترتيب شؤون البيت ومع الأبناء لتبادل الأفكار والمعارف والتشاور وتقديم النصح وحل المشكلات.فالكتمان والخلوة الدائمة تبني جدرانًا من الجفاء وتمنع التواصل الفكري. ولا شك ان الاجهزة الإلكترونية سرقت الاوقات وحدت من التواصل فلا بد من تقنينها والحد من سطوتها.

وكذلك ينبغي للاب ان يدخل بيته مبتسمًا فيدخل معه السكينة والطمأنينة في نفوس عياله فلا يكون قدومه سببًا لنفورهم وتأففهم، فإن كان يواجه مشكلة في العمل لا يعكس انطباعاته السلبية داخل البيت لأنه عمود الدار وحصنها فإن أظهر الضعف او التزلزل سيؤثر ذلك على من هم تحت جناحه.

ومن الضروري مراعاة خصوصية كل أسرة؛ ففي الدار الفقيرة المتواضعة يتربى الابناء على القناعة والصبر وغض الطرف عما يرونه في الخارج من الماديات والكماليات التي لا يطيقها الاب والزوج، اما في الدار الميسورة فينبغي للزوج والاب ان لا يسمح ان يتسلل التباهي والتفاخر إلى قلوب عياله وابنائه كي لا يعتدوا على الحقوق المعنوية لمن لا يحوز ما يحوزون بل يتربون على شكر النعم وحمد الله.

الثالث: بناء الروابط العاطفية
تعزيز الجانب العاطفي وبسط المودة في الأسرة فإنها سبب رئيسي في جلب السعادة والطمأنينة وفي تتابع الخيرات عليهم. ومن المعلوم ان بناء شخصية سليمة يتطلب اشباع الجانب العاطفي فيها ودوام تغذيتها، فإن العطاء العاطفي لا ينقص من المعطي شيئًا بل يزيد من مودته ويوقد شعلة محبته كالآخذ منه بل اكثر. فينبغي ان لا يبخل الاب والام باغداق الحب على بعضهما بعضًا واغداقه على اولادهما كي تنمو بين جميع الافراد صلة الود والمحبة الى الابد وكي لا يتقدم احد منهم إلى المجتمع وفي داخله حاجة يريد اشباعها فتضعف البنت امام كلام معسول من فتى طائش وتميل اليه طمعا في سد حاجتها، وإن كل ذلك يرجع الى ضعف التربية العاطفية ودوام الحرمان، وكذلك قد يحصل ذلك من الزوجة ان لم تكن محصنة في دينها فتميل إلى اشباع عاطفتها من غير زوجها وحليلها فتحل الطامة وما اكثر الاحداث المماثلة لما ذكرنا في زماننا.

الامر الرابع: التربية النظامية
ان نشأ الفرد في بيئة تُحترم فيها القوانين ويلتزم فيها بالضوابط سيعتاد ذلك في كل فترات حياته.
والأسرة هي موطن صالح لبذر تلك العادات، ويحصل ذلك من خلال الاقتداء بالأبوين قولًا وفعلًا، فإن الأفعال ابلغ من الاقوال اثرًا في النفس.
فمما لا ينبغي اهماله، التربية على الالتزام بالنظام فإن احترام النظام اساس في استقرار حياة الفرد والأسرة وسبب من اسباب سعادتها. والنظام في البيت يبدأ بتحديد وقت النوم ووقت الاكل والدرس وتوزيع مهام العمل المنزلي وتحديد الادوار داخل وخارج البيت وتعليم الاولاد وتأديبهم على احترام الاعراف والآداب الاجتماعية فيحسنون الكلام مع الناس ويحترمون كبيرهم ويعطفون على صغيرهم ويضبطون مشيهم ونظرهم ويحسنون كلامهم فلا يعتدون على حقوق الناس ويحفظون حقوق المجتمع ويلتزمون بوعودهم ويوفون بعهودهم.

النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد